أزمة أو أزمات وإمكانيّات ؟؟!

نبيلة اسبانيولي: إختصاصيّة نفسيّة
مديرة مركز الطّفولة

هنالك العديد من الأزمات الّتي تمرّ على أفراد منّا، فالأزمات والعيش في ظلّها أمر قد يحدث لأيّ منّا. والأزمة هي حدث طارىء، غير متوقّع وصعب أو أحداث متتالية تجعل الحياة تنحرف عن مجراها الطّبيعيّ أو تجعلنا نعيش في ظلّ الشّعور بعدم الثّقة بحيث لا ندري ماذا سيحدث غدًا، ممّا يبلبل حياتنا اليوميّة ويخرجنا عن طور الحياة الطّبيعيّ (والطّبيعيّ هنا ما اعتدنا عليه سابقًا) ويجعلنا نعيش أوضاع عدم ثقة ممّا سيحدث في السّاعة القادمة أو في الغد،

فالشّخص الّذي فقد شخصًا حلّ به مرض صعب أو فقد شخصًا عزيزًا يمرّ بأزمة، والشّاب الّذي توقّّفت حبيبته عن حبّه يمرّ بأزمة، والطّفل الّذي قرّر والداه/ا الطّلاق قد يمرّ/تمرّ بأزمة، والعائلة الّتي تشاجر أحد أفرادها مع عائلة أخرى قد تمرّ بأزمة في ظلّ مجتمع قبليّ- عائليّ، والقرية بكاملها أو المدينة قد تمرّ بأزمة إذا ما وقع بها صراع طائفيّ أو حمائليّ، أو إذا هدمت السّلطة أحد بيوتها. تمامًا كما العيش في ظلّ الحرب هو أزمة، والعيش في ظلّ سقوط الصّواريخ واقتحامات الجيش للبيوت هو أزمة، والعيش بعد كارثة طبيعيّة حلّت بنا هو أزمة،.. الفرق الوحيد يكمن في أنّ بعض هذه الأزمات شخصيّ وبعضها جماعيّ، مع اختلاف حدّة الأزمة في الحالات المختلفة، ممّا قد يؤثّر على كيفيّة تعاملنا مع الأزمات. كما وأنّ اختلاف الأفراد يؤثّر على كيفيّة التّعامل مع الأزمات.

لقد كتبنا في "أطفالنا في مواجهة الأزمات" عن التّأثيرات الممكنة للأزمة وعن دور الأهل في التّعامل مع الأزمات، ولمزيد من التّفاصيل يمكن العودة إلى هذا المورد ومراجعته على الصّفحة الإلكترونيّة لمركز الطّفولة:
www.tufula.org
حيث ستجدن/تجدون مساهمات مختلفة حول ردود الفعل المتنوّعة وكيفيّة دعم من يمرّ بأزمة.
ما يستوقفني هنا هو الإمكانيّات الكامنة في كلّ أزمة.
ربّما يستغرب البعض من الحديث عن الإمكانيّات الكامنة في الأزمات، فعن أيّة إمكانيّة يمكن أن أتحدّث؟ البعض وخاصّة مَنْ يمرّ بأزمة ما زالت تأثيراتها قويّة عليه/ا ، لن يستطيع تخيّل الأمر، وعن أيّة إمكانيّة أتحدث؟ وكيف يمكنني التّحدّث عن الإمكانيّات في ظلّ ما تتركه الحرب من دمار وما تتركه الأزمات من صعوبات؟

لذا ارتأيت البدء بقولي أنّ غالبيّة الأزمات الّتي نمرّ بها ليست من اختيارنا! بل إنّ غالبيّتها تُفرض علينا. بعضها حتميّة من حتميّات الحياة والموت، وبعضها من صنع يد الإنسان. ولو كان بيدي الأمر لحاولت منع بعضها، ولكنّها تحدث رغمًا عنّا فما العمل؟

هنالك مراحل نمرّ بها بعد الصّدمات ومنها الصّدمة الأولى؟ ثمّ محاولة فهم ماذا حدث ولماذا حدث هذا الأمر لي؟ إلى محاولة إعادة التّوازن والإستمرار في الحياة بصحّة نفسيّة. هذه المراحل ليست حتميّة أو مضمونة، فمنّا مَنْ لا يستعيد توازنه/ا النّفسيّ!

خلال المراحل المختلفة هنالك إمكانيّات من المهمّ أن نعي وجودها ونحسن استخدامها لدعم إستعادة توازننا وصحتّنا النّفسيّة. الشّخص الّذي أصابه مرض عضال مثلاً، قد يكتشف خلال ذلك رغبته الكبيرة في الحياة ممّا يدعمه في مقاومة المرض ويساعده على الشّفاء. فكما هو معروف أنّ الرّغبة القويّة في الحياة هي عامل مهمّ في مقاومة الجسم للمرض، كما ويمكن أن يكتشف الشّخص قدراته الفائقة على تحمّل الألم والّتي لم يدرك وجودها لديه لأنّه لم يحتجْها من قبل، كما وقد يكتشف كمّ هو محبوب من عائلته وأصدقائه. جميع هذه الإكتشافات هي إمكانيّات إذا أحسنّا استخدامها ستدعمنا في تخطّي الأزمة وفي إستعادة التّوازن النّفسيّ.

الطّفل الّذي صُدم بقرار أهله بالطّلاق، يمكنه أن يكتشف أنّ انفصال أمّه وأبيه والعيش لدى أحدهما، قد خلق فرصة له للعيش بهدوء، بعد أن شاهد والديه مرّات عديدة في شجار مستمرّ. أو أن يكتشف أنّ هنالك امكانيّة للعيش دون عنف، بعد أن أصبح العنف وجبة يوميّة في حياة عائلته. وقد يكتشف أنّ أمّه داعمة محبّة بعد أن كانت متوتّرة، مزاجيّة ومبلبَلة. وقد يكتشف أنّه قادر على النّوم دون كوابيس مثلاً. وقد يكتشف كذلك أنّ هناك حياة عائليّة خالية من العنف والمشاجرات، ويمكنه أن يكتشف أنّه يحبّ أمّه وأبيه وهو ليس بحاجة لأن يختار بينهما. رؤية الإمكانيّات الكامنة في مثل هذه الأزمة يمكنها أن تدعم إعادة التّوازن، بلّ هي نفسها عامل مهمّ في إعادة التّوازن ومساهمة في الصّحّة النّفسيّة.

الأزمة الجماعية ممكن ان تجعلنا نرى الإمكانيّات القائمة في مجتمعنا من رغبة النّاس في دعم بعضهم البعض كالرّغبة الصّادقة في التّطوّع أو العمل المشترك والتّشبيك ورصد القوى من أجل مواجهة الأزمة. ففي مركز الطّفولة مثلا خلال حرب لبنان لم نستطع تعبئة وتوزيع 6440 حقيبة للتّعامل مع الأزمات دون التّطوّع، ولم نستطع توزيع 10000 رزمة مدرسيّة دون التّطوّع، ولم نستطع تأليف وتوزيع 10,000 نسخة من دليل التّفعيل "نسير للأمام" دون تّطوّع العديد للكتابة والتّوزيع. أيّ أنّ الحرب كشفت عن القدرات الكامنة في مجتمعنا من التّكافل الإجتماعيّ. إنّ هذه الإمكانيّات تضعنا أمام تحدّيات.
ولتعزيز هذا النّهج والتّفكير: كيف يمكننا الإستفادة من التّجارب لبلورة مركز ينسّق الجهود ويبلور المشاريع لمواجهة أزمات قادمة تشاركنا مع جمعيات اخرى وبدعم من لجنة المتابعة لأقامة مركز "مبادرة" لتعزّيز حصانتنا النّفسيّة والمجتمعيّة كشعب وكمجتمع.

فهل نستطيع النّظر إلى الإمكانيّات القائمة لدى كلّ طفل/ة فينا ولدى كلّ فرد من أفرادنا ونعزّزها، لعلنّا بذلك نسهم في أن ننظر ونسهم في بناء مجتمع يهتمّ بإمكانيّاته وبنوعيّة معيشة أفراده ؟!؟