الإعتداءات الجنسيّة على الأطفال داخل العائلة•
نبيلة إسبانيولي
 
إنّ ظاهرة الإعتداءات الجّنسيّة تنتشر في غالبيّة المجتمعات، وتعدّ ظاهرة من ظواهر العنف التي يستعمل بها المعتدي سلوكه الجنسيّ، وعلى الرّغم من انتشار الظّاهرة يحاول البعض إنكار وجودها بقولهم "هذا لا يحدث عندنا"، وقد كان الموضوع لسنوات عديدة "طابو" تكتّم عليه المجتمع، إلى أن طرحت النّسويّات الأمر وقامت بحملات توعية حوله، وعلى الرّغم من ذلك فلا زلنا نرى بلبلة وعدم وعي حول الموضوع.
 
تعريف:  الإعتداءات الجنسيّة هي ظاهرة من ظواهر العنف، يستعمل المُعتدي خلالها سلوكه الجنسيّ ويمارسه دون أخذ موافقة الطّرف الآخر أي المعتدى عليه/ا. ويشمل السّلوك الجنسيّ المضايقات الجنسيّة عن طريق استعمال كلمات أو عرض أعضاء جنسيّة، إستراق النّظر، الملاحقة، لمس جسد المعتدى عليه/ا أو المضايقة عن طريق الهاتف، محاولة الإغتصاب أو الإغتصاب الذي يحدث في جميع الأماكن:  في البيت، العمل في الشّارع أو في أماكن عامّة أخرى.
 
الإعتداء الجنسيّ على الأطفال داخل العائلة Incest:
هنالك من يعرّف الـIncest   كحدوث علاقة جنسيّة بين أقارب بالدّم.  بينما يعطي Murdock تعريفًا أوسع وهو أنّه كلّ علاقة جنسيّة بين أقرباء (قرابة حقيقيّة أو مخمّنة أو رباط اصطناعيّ يعتبر اجتماعيًّا مانعًا لعلاقة جنسيّة، مثل علاقة جنسيّة بين زوج الأم وأطفالها أو بين الأخوة من والدين مختلفين، فمثل هذه العلاقات تعدّ غير مقبولة حتّى وإن لم تكن علاقة دمّ بينهما).
وفي اللّغة العربيّة يُستعمل مصطلحان لتفسير هذه الظّاهرة، وهما "سفاح القربى" و "غشيان المحارم". والسّفاح هو الزّنى، فتزوج المرأة سفاحًا تعني تزوجها بغير سُنّة ولا كتاب. وغشيان المرأة يعني الدّخول بها.
إنّ استعمال هذين المصطلحين يظهر عنصر الزّنى ولا يُظهر عنصر الإعتداء من شخص على آخر وخاصّة من شخص راشد على آخر لا حول له ولا قوّة (جسديّة أو نفسيّة لحماية نفسه). ولذا فنحن نفضّل استعمال مصطلح الإعتداء الجنسيّ داخل إطار العائلة، أي القيام بفرض إرادة شخص في مركز قوّة (جسديّة، نفسيّة أو عاطفيّة) على فرد من أفراد الأسرة متعلّقًا به وبالعائلة.
كما أنّ الإستغلال الجنسيّ يعني أيّ وضعيّة تفرض على أحد أفراد العائلة القيام بسلوك جنسيّ وهي قد تكون: عرض الأعضاء التّناسليّة، لمس لأعضاء الجسم، علاقة فمّيّة ، إستغلال الأطفال في صور بورنوغرافيّة والإتّجار بالأطفال جنسيًّا (إجبارهم على الزّنى).
أيّ أنّ الإستغلال الجنسيّ داخل العائلة هو أيّ علاقة جنسيّة باستعمال اليدين أو الفم أو الأعضاء التّناسليّة أو أيّ سلوك جنسيّ آخر من أي عضو من أعضاء العائلة أو راشد قريب يُفرَض على الطّفل مستغِلاًّ عدم مقدرته على الدّفاع عن نفسه.
لقد أظهرت الأبحاث أنّ 80% من الأطفال المُستغَلّين جنسيًّا يُستغَلّون من شخص يعرفونه ويثقون به وأنّ هذه الجريمة هي جريمة رجاليّة بغالبيّتها، إذ أنّ 97% من المستغلّين هم ذكور و87% من الضّحايا هنّ إناث.
يَعتقد العديدون أنّ حالات الإستغلال الجنسيّ على الأطفال هي نادرة أو مقتصرة على بعض المجتمعات، ولكنّ الأبحاث تظهر أنّ هذه الظاهرة موجودة في غالبيّة المجتمعات وأنّ واحدة من كلّ أربع فتيات تُستَغلّ جنسيًّا قبل بلوغها الثّالثة عشر عامًا وأنّ 30-40% من الأطفال يُستغلّون جنسيًّا قبل وصولهم سن الثّالثة عشرة.
المعلومات والدّراسات الحديثة تُشير إلى أنّ جميع الأطفال معرّضون لهذا الإستغلال فقط لكونهم أطفال.  إذ نرى أنّ الكثير من الأهالي يمتنعون أيضًا عن الحديث مع أطفالهم عن هذا الموضوع وذلك لعدّة أسباب:
لا يريدون بلبلة أطفالهم بمفاهيم ومعلومات لا يستطيعون فهمها بسبب سنّهم.
يخافون من بناء مفاهيم مغلوطة حول الجنس.
لا يعرفون ماذا يقولون لهم.
لا يعرفون كيف يتحدّثون معهم.
لا يريدون إخافة أبنائهم وبناتهم.
خوفهم من اعتبار ذلك فشلاً لتربيتهم.
الأهل تربّوا بأنفسهم على أنّ موضوع الجنس وكلّ ما يتعلّق به هو موضوع مغلق "طابو".
وفي الحالات التي يتحدّث بها الأهل مع أطفالهم فإنّهم يحاولون تحذيرهم من الغرباء على أساس إيمانهم بأنّهم إذا أبعدوهم عن الغرباء فإنّهم يقومون بحمايتهم.  وعندما نعلم بأنّ الغرباء مسؤولون عن 10-15% فقط من حالات الإعتداءات الجنسيّة على الأطفال، وأنّ غالبيّة المعتدين هم أشخاص يعرفهم الطّفل وتربطهم به علاقة ثقة، فإنّنا سوف ندرك بأنّنا بتحذيرهم من الغرباء فقط، لا نوفّر لهم الحماية.
من الصّعب تحديد عدد المستغلّين أو عدد حالات الإعتداءات الجنسيّة وذلك نتيجة للخجل العام وعدم الشّعور بالرّاحة من جميع أفراد الأسرة للكشف عن حالات الإعتداءات.  ونحن نعرف أنّها ظاهرة منتشرة في جميع المجتمعات ولكنّه غالبًا لا يبلّغ عنها.  غير أنّ المختصّين في هذا المجال يفترضون وجود فتاة واحدة بين كلّ 4 فتيات وفتى واحد بين كلّ 6 أطفال يستغلّون جنسيًّا قبل بلوغهم سنّ ال 18 سنة.
ماذا يجعل الأطفال هدفًا سهلاً للإستغلال الجنسيّ؟
1) يتعلّم الأطفال الطّاعة كقيمة عُليا في المجتمعات الأبويّة السّلطويّة، ففي مجتمعنا مثلاً يتعلّم الأطفال الطّاعة لجميع الرّاشدين في البيت والمدرسة والشّارع، فكلّ راشد له سلطة على الطّفل وسلطة ليقول له ماذا يفعل. وغالبًا لا يعلّم الأطفال أنّهم يستطيعون رفض طلب الرّاشد.
2) يعتمد الأطفال على الرّاشدين لتلقّي الحماية والعطف فيريحهم القرب منهم ويوفّر لهم الأمان ويتمتّعون لأنّهم أطفال محبوبون ومرغوب بهم لدى عمّهم – أبيهم الخ.. حاجة الطّفل هذه للحنان والعلاقة وعدم قدرته في كثير من الأحيان على التّمييز بين الطّرق المشروعة والطّرق غير المشروعة للتّعبير عن هذه العواطف تجعله عرضة للإستغلال الجنسيّ. فالعديد من الأطفال الذين استُغِلّوا جنسيًّا يشعرون بالذّنب والخجل تجاه الإستغلال وكأنّ رغبتهم في الحنان هي السّبب.
3) أحد مميّزات الإستغلال الجنسيّ في داخل العائلة كونه مغلّف بالسّريّة، ويطالَب الأطفال بالتّهديد والوعيد للمحافظة على هذا السرّ، فيخاف الطّفل أن يُخبر أو يُشارك أحدًا:
أ‌- لأنّ المستغِلّ هدّد الطّفل "إذا كشفت السرّ ستؤذي والدتك، أختك، تهدم العائلة".
ب‌- لأنه قال أنّ كل شيء على ما يرام إذا لم يكشف الأمر لأحد.
ج- الطّفل قلق لأنّ أحدًا لن يصدّقه.
د- يخاف الطّفل أن يُعاقَب.
إنّ استعمال طريقة التّهديد شائعة أكثر من استعمال القوّة الجسديّة والضّغط الجسمانيّ، فغالبيّة الأطفال لا يصابون جسديًّا إذ يعتمد المعتدي على جهل الطّفل ويعتمد أن لا يترك أثرًا واضحًا للإصابة كما ولا يترك للطّفل إمكانيّة للحصول على مساعدة في المرحلة الأولى.
 
غالبيّة الأطفال يهدَّدون بالعقاب وبالحرمان العاطفيّ أو بضرر يعود على المستغِلّ والذي هو عادة قريب محبوب لدى الطّفل أو عن طريق تهديد لكيان العائلة.  هذه هي القوّة التي يستعملها الرّاشد لإخضاع ضحيّته واستسلامه.
إنّ عدم ترك علامات واضحة وملموسة على جسد الطّفل المعتدى عليه يصعّب عمليّة الكشف ويساهم في استمرارية الإعتداء الذي يحافظ المعتدي على أن يبقى سرًّا.
4) يتطوّر الإستغلال الجّنسي بالتّدريج خلال فترة من الوقت، ففي البداية قد يتضمّن سلوكًا غير ملائم، يسبّب للطّفل الشّعور بعدم الرّاحة بعدها يتطوّر ليصبح اتّصالاً جنسيًّا واضحًا. أي أنّ الإعتداء الجنسي على الأطفال داخل إطار العائلة هو مسار يتكرّر وتزداد حدّته بتكراره.
 
أضرار قد تحدث نتيجة الإعتداءات الجنسيّة:
إنّ تعرّض الطّفل لإعتداء جنسيّ من راشد وفرد من أفراد أسرته، من الممكن أن يسبّب له المصاعب والأذى.  وهنالك احتمالات عديدة لأن يتطوّر لدى الطّفل مشاكل نفسيّة، سلوكيّة وعاطفيّة بعيدة المدى فنحن نرى أنّه، يمكن أن يؤدّي إلى:
- قلق وفقدان الثقة.
- الشّعور بالذّنب والخجل وبالتالي إلى نتائج هدّامة في الرّؤية الذّاتية للطّفل وفي تطوّر شخصيّته.
- الإحباط والفشل في الدّراسة أو إلى مشاكل في علاقته مع أفراد أسرته.
- انفصام بالشّخصية.
- انفصال عن الواقع.
- كره الذّات ورغبة في تحطيم الذّات.
- رغبة في الإنتحار أو استعمال المخدّرات والكحول.
هنالك أيضًا تأثير على الأنماط السّلوكيّة فغالبًا ما يتغيّر سلوك الطّفل/ة، أي أنّ الطّفل لا يحدّثنا بالكلمات وإنّما بالتّغييرات التي تطرأ على سلوكه. فمن الممكن أن نلاحظ:
خوفًا من الذّهاب إلى مكان ما أو مع شخص معيّن.
تغيير في عادات اللّعب (يخاف البقاء في ساحة المدرسة أو في بيت الجيران).
اهتمامًا غير عاديًّا في الأعضاء الجنسيّة لأشخاص آخرين.
اضطرابات في النّوم والخوف من البقاء لوحده، مشكلات في المدرسة وفقدان الشّهيّة أو زيادة مفرطة بها، مخاوف جديدة كثيرة، نكوصًا إلى سلوكيّات طفوليّة، اعتماد موقف معادٍ مفاجئ من أحد الوالدين..
من الجدير ذكره أنّ هنالك عوامل تؤثّر على حدّة الضّرر الذي قد يتركه الإعتداء الجنسيّ لدى الطّفل، وهذا مرتبط مثلاً في نوعيّة العلاقة التي تربط المعتدي والضّحيّة، عمر الطّفل وعوامل أخرى:  تكرار العمليّة واستمرارها فترة طويلة يؤثّر ويسبّب أضرارًا كثيرة.
عامل مهمّ أيضًا بل لعلّه من أهمّ العوامل التي علينا أن نعيها هو ردود الأفعال التي يحصل عليها الطّفل من المحيطين به عند انكشاف الموضوع، فإذا حظي الطّفل بالدّعم الكافي من باقي أفراد أسرته وإذا حصل على الحماية منهم وحصل على تفهّم وعدم تذنيب أو تشكيك في أحاديثه فإن تأثير الإعتداء وإمكانيّة الضّرر قد تكون أبسط بكثير لو حصل العكس.
 
ردود فعل العائلة:
إنّ الإعتداء الجنسيّ داخل العائلة يؤثّر على جميع أفراد العائلة ولكلّ فرد ردّ فعل مختلف، على الرّغم من أنّه توجد ردود فعل عامّة.  تمرّ العائلة بأزمة تتخلّلها ردود فعل عاطفيّة، قد تنعكس في مشاكل في النّوم، الشّعور بالمرض، الرّغبة في القضاء على المعتدي، لوم الطّفل، عدم المقدرة على التّوقّف عن التّفكير في الإعتداء، شعور بالذّنب، شعور بالفشل، بالغضب، بالحزن.
وتمرّ العائلة بمرحلة إعادة التّنظيم في الحياة. كذلك تتميّز هذه المرحلة بتقلّبات في الأمزجة، الأحلام المزعجة، ضغط وزيادة بالخوف على الطّفل/ة.
ومن الممكن أن تكون ردود الفعل هذه لصالح الطّفل، ولكن قد تؤدّي إلى أضرار إضافيّة، فإذا تحدّث الطفل عن الإعتداء واكتشف أنّ أفراد عائلته يعانون بشكل حادّ فإنّه سوف يلوم نفسه ويشعر بالمسؤوليّة. وإذا رأى أنّ أفراد أسرته البالغين والذي يعتمد عليهم قد اختلّ توازنهم فإنّه يفقد المصدر الذي يعتمد عليه ويلجأ له عند الحاجة وبذلك يشعر بالوحدة.
 
مميّزات خاصّة في الإعتداءات داخل إطار العائلة:
1. التّكرار:  في هذا النّوع تتكرّر عمليّة الإعتداءات الجنسيّة من المعتدي، الإستغلال الجنسيّ داخل إطار العائلة مرتبط باستمرار العلاقة الأسريّة.
غالبًا ما تتعقّد العلاقة إذ تبدأ بمحاولات تقرّب ثم استغلال مرافق عادة بالتّهديد.
2. نوعيّة العلاقة:  يحدث الإعتداء ضمن جوّ من الإهتمام الذي يقوم به البالغ نحو الطّفل/ة، عادة ما تكون هناك علاقة وطيدة تربط الطّفل/ة والبالغ، فالأخير يهتم بقضاء احتياجات الطّفل/ة ويقوم بالإهتمام به/ا. ينظر الطّفل/ة إلى هذا الشخص كسلطة يجب إطاعتها والوثوق بها. عادة يكون الشّخص المعتدي هو المصدر الذي من المفروض أن يشبع الإحتياجات العاطفيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة للطّفل/ة، مصدر الأمن والحبّ والحنان مما يصعّب على الطّفل/ة التّمييز بين الإستغلال والعلاقة الطّبيعيّة.
يظهر ممّا سبق أهمّية دعم الطّفل للتّعبير عن ذاته وأهمّية تطوير أجواء حواريّة داخل العائلة، تفسح للطّفل التّعبير عن ذاته دون خوف من العقاب، وتُعدّ من أهمّ الأساليب الوقائيّة، أمّا في حالة تعرّض طفل للإعتداء، فهنالك اليوم مؤسّسات ومهنيّون يستطيعون تقديم الدّعم.