التّأقلم في الإطار التّربويّ الجديد

 

                                                               بقلم:  إسلام زيادة- أبو أسعد

 

مرحلة الطّفولة هي مرحلة هامّة في بلورة شخصيّة الطّفل وللتجارب الحسّيّة والعاطفيّة في هذا الجيل تأثير كبير على تطوّر الطّفل العاطفيّ في المستقبل.

الإنتقال إلى الإطار التّربويّ الجديد يُثير الفزع لدى الأطفال ويُهدّد شعورهم بالأمان. مكان لا يعرفه الطّفل وأناس غرباء عنه يُثير قلقه وعدم الرّاحة لديه. ولكن هناك فروق فرديّة بين الأطفال، والّتي تتعلّق بمستوى التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ لديهم، وكذلك المزاج والطباع المولودة ومدى تجارب الطّفل وتعرّضه وانكشافه لأطر وأناس جدد.

درجة التعلّق بالأم/الأب مختلفة لدى الأطفال ومرتبطة بتجارب الأطفال بالعائلة، بتجاربهم السّابقة لفراق الأهل وبمستوى الإستقلاليّة والأمان الّذي طوّروه حتّى الآن.  وهو كذلك متعلّق بردّات فعل الأهل وتقبّلهم للإنفصال عن أطفالهم، فهناك أهل لديهم صعوبة نفسيّة بالإنفصال عن أبنائهم الأمر الّذي يُصعّب عمليّة انفصال الأطفال وتأقلمهم للإطار الجديد أو التأقلم لأشخاص جدد.

بالإضافة للأمور الّتي ذكرت ممّا يُثير الفزع لدى الطّفل من عمليّة الإنتقال إلى إطار جديد عدم معرفة قوانين التصرّفات المطلوبة بالحضانة، وهناك أطفال لديهم صعوبة تأقلم للتّغييرات أكثر من أطفال آخرين. وكذلك عدم معرفة المكان هي بمثابة مكان غير آمن للطّفل، يشعر به بعدم الإنتماء وعدم الثّقة.

إنّ جيل الطّفل عند التحاقه بالإطار التّربويّ الجديد هو عامل مهمّ في مدى صعوبة أو سهولة عمليّة التّأقلم، وذلك مرتبط أيضًا بمزاج الطّفل وبطباعة المولودة.  تجدر الإشارة إلى أنّ جيل الطفل الذي يتمّ به الإنتقال يؤثّر على مسار التأقلم فكلّما كان جيل الطفل أصغر تكون عمليّة الإنتقال أسهل وكلما كان الطّفل منكشف على وأناس جدد غير والديه يكون تقبّله للغرباء سلس أكثر نسبة إلى أطفال موجودين كل الوقت مع أهلهم في البيت واحتكاكاتهم قليلة مع الغرباء والأماكن الجديدة.

وهناك أيضًا تأثير للمرحلة التطوّريّة الّتي يتواجد بها الطّفل، فمثلاً، الأطفال بجيل 8 أشهر تقريبًا وحتى سنة وشهرين غالبًا ما يظهر لديه خوف تطوّري وهو خوف من أن يتركوا أو يهجروا من قبل والديهم والأشخاص المهمّين بحياتهم. وهذا ما يُسمّى بصعوبة الإنفصال.

 

كما وتؤثّر وضعيّات مختلفة يمرّ بها الطّفل على مدى تأقلمه. فمثلاً، ولادة أخ جديد في العائلة والذي هو بمثابة أزمة للطّفل بحدّ ذاته والإنتقال للإطار الجديد هو أزمة إضافيّة له الأمر الذي يزيد من صعوبة الإنفصال عن الأهل والتّأقلم للإطار الجديد.

السلوكيات التي تظهر لدى الأطفال في مرحلة الانتقال لإطار جديد:

-       الالتصاق بالأهل. صعوبة الانفصال من الأهل.

-       الإلتصاق بالمربّية ورفض الإبتعاد عنها واقتراب أي طفل آخر منها.

-       الانعزال- الانزواء.

-       الارتباط بالغرض الانتقالي.

-       البكاء المستمرّ.

-       الطعام ورفضه.

-       رفض الدخول إلى الحمام.

-       الامتناع/الإفراط في النوم.

-       رفض الشخص الجديد (المربية).

-       أطفال يمرضون.

-       عض، ضرب، التعبير بسلوكيات عنيفة.

-       التّأقلم في البداية وبعد ذلك يظهر تراجع.

-       تراجع- العودة إلى وضع الحفاظ، مصاصة،..

-       هدوء ،سكون.

-       حركة زائدة، عشوائية وغير مخططة.

-       مراقبة، وفحص المربية والمحيط.

 

تتأثّر عمليّة التّأقلم بمدى تطوّر الثّقة الأساسيّة للطّفل بالبالغ الّذي يرعاه (غالبًا الأم والأب). فإنّها توفّر للطّفل خوض مراحل الإنفصال الطبيعيّة بمساعدة طاقم الحضانة.

تجهيز الطفل وتحضيره للإنفصال يتيح فرص لتجارب موجهة حسب الحاجة، للثقة الأساسيّة بالشخص المعتني (المربّية)، ومن هنا تسنح للطفل فرصة لتشكيل وتطوير استقلاليّة في نواح مختلفة من شخصيّته.

من الجدير ذكره أنّ غالبيّة الأطفال يمرّون في مرحلة الإنفصال من الأهل والتأقلم للإطار الجديد بسلام. ولكن بالرغم من ذلك علينا أن لا نستهين من ردود فعل الأطفال في هذه المرحلة القاسية جدًا وخصوصًا تلك ذات الحدة العالية والتي تستمر لفترة طويلة مثل: خوف واضح وظاهر لحظة الإنفصال عن الأهل، الإلتصاق بهما، البكاء المتواصل، الإنطواء، العزلة، الإمتناع عن الكلام،..

وفي حالات معيّنة نرى الطّفل وكأنّه منسجم أو متأقلم ولكن بعد أسبوع أو أسبوعين نرى ردود الفعل لأزمة الإنفصال في الظهور.

نظريّة بولبي (1969) حول الترابط "attachment" تفسّر ردود فعل الأطفال وتعاملهم مع الإنفصال عن الأهل أو عن الشّخصيّات المركزيّة بحياتهم (الأمّ).

التعلّق بالأمّ والإنفصال عنها حسب بولبي هو حسب 4 نماذج:

التّعلّق الآمن: حيث يُفضّل الطّفل أمّه على أيّ شخص آخر عند الإنفصال عنها قد يبكي وعندما تعود يخفّ بُكاءه فورًا ويُباشر الاتّصال معها بشكل فعّال.

التّعلّق غير الآمن:  يبدو الطّفل غير متجاوب مع أمّه خلال حضورها وإذا انفصل عنها لا يبدو منزعجًا وعندما تعود الأم إليه يتجنّبها أو يكون بطيء التّرحيب بها. قد يتجاهل وجود والديه كلّيًا.

التّعلّق المقاوم:  يبدو الطّفل متعلّقًا بشدّة بأمّه عندما تعود الأمّ بعدما انفصلت عنه، يتصرّف بشكل غاضب ومقاوم حتّى أنّه قد يعتدي عليها بالضّرب أحيانًا ومن الصّعب جدًا تهدئته.
التّعلّق العشوائيّ:  يُبدي الطّفل الكثير من الحيرة والتناقض في علاقته مع أمّه. لا يبدو سعيدًا وهو برفقتها ويبكي بشكل غير متوقّع حتّى تهدئته.

 

وفقًا لهذه النظّريّة فإنّ نمط التّرابط والتّعلّق لدى الإنسان يتحدّد في جيل الطّفولة ويتأثر بنوعيّة علاقة الطّفل مع البالغ الذي يعتني به (غالبًا الأمّ).  فإذا كان تجاوب البالغ الذي يعتني بالطفل آني ومتتبّع وبتلائم مع الإشارات والرّموز الّتي يصدرها الطّفل يشعر الطّفل بالأمان والثّقة حتّى لدى إنفصال أهله عنه.

أمّا إذا لم يتجاوب البالغ مع إشارات الطّفل ولم يكن متتبّعًا فيتطوّر لدى الطّفل نمط تعلّق وترابط غير آمن كما ذكر سابقًا. وبناءًا عليه ينمو الطّفل في خوف وشك وحذر في وضعيّات جديدة وغريبة عليه.  الأمر الذي يُترجم في بناء علاقته مع المربّيات، الأطفال وحتى صداقاته وعلاقاته الحميميّة في المستقبل.

 

تواجد الأهل بالحضانة:

تواجد الأهل بالحضانة يؤثّر بشكل مختلف على الأطفال، هناك أطفال بحاجة للأهل حتّى يتأقلموا هم بحاجة لدعم الأهل ولتواجدهم بقربه فهم يمثّلون الأمان والدّعم بالنسبة للطّفل في الحضانة الجديدة والّتي تشكّل بالنسبة إليه فزع وعدم الشعور بالأمان. وبهذا تواجد الأهل يُحدث التوازن لدى الطّفل ويساعده على تقبّل المكان الجديد والأشخاص الجدد وبالتّالي على التأقلم والإندماج في هذا الإطار.

وهناك أطفال بحاجة لوقت أكثر من غيرهم للتّأقلم للتّغييرات وللتّفاعل مع كل ما هو جديد وغير مألوف.  وهؤلاء الأطفال بحاجة لأن نتقبّلهم ونتقبّل وتيرتهم في التأقلم وهم بحاجة لتفهّم الأهل والمربّية لحاجاتهم. فمن المفضّل أن يتواجد الأهل لفترة معيّنة مع الطّفل، صباحًا على أن تقلّل هذه الفترة بالتّدريج حتّى لا يتبلبل الطّفل ونصعّب عليه عمليّة الإنفصال من الأهل والتّأقلم للإطار الجديد. فالهدف من هذا التواجد هو إشعار الطفل بالأمان الأمر الذي يسمح له بالمبادرة للتعرف على المكان والأشخاص الجدد. يساعده على إفساح المجال لنفسه لاستكشاف المحيط. وإذا كان تواجد الأهل محددا لفترة معينة كل يوم وتقل هذه الفترة تدريجيا إلى أن تصبح لتواجد قليل حيث يحضر الأهل الطفل صباحا يودعونه ويخبرونه إنهم سيحضرون عند انتهاء الدوام ويذهبون إلى العمل. الثبات و الوضوح والحزم في التعامل مع الطفل وكذلك التكرار يساعد الطفل على فهم وتقبل التواجد في الإطار الجديد عقليا وعاطفيا.

 

الأمور الّتي تساعد الطّفل على عمليّة التّأقلم:

عزيزتي المربّية، علينا تفهّم حاجات الأطفال ووتيرتهم في التّأقلم للإطار الجديد. فهناك أطفال بحاجة لوقت، لقرب جسديّ ولاهتمام أكثر من أطفال آخرين، هؤلاء الأطفال بطيئي التّأقلم لأيّ تغييرات جديدة في حياتهم. ودورك أنت في توفير البيئة الآمنة المتفهّمة للطّفل ولحاجاته الأمر الذي من شأنه أن يُوفّر للطّفل تجربة حسّيّة معاشة إيجابيّة تساعده في المستقبل على اكتساب مهارات وقدرات للتّعامل مع التّغييرات والتجدّدات الّتي تواجهه ومن شأنها أن تسهّل عليه عمليّة التّأقلم للتّغييرات المستقبليّة.

كما ومن المهمّ عزيزتي المربّية أن نتفهّم كذلك حاجات الأهل ومحاولة طمأنتهم أنّ أبنائهم بأيدي أمينة وأنّنا متفهّمون لمخاوفهم. وهذه الخطوة ستساهم في تعاونهم وتسهيل عمليّة التّأقلم لدى طفلهم.

من المهمّ كذلك أن نعطي الشرعيّة لمخاوف الأهل وللصّراعات الّتي يتخبّطون بها لإرسال طفلهم لهذا الإطار، وخصوصًا الأهل الّذين يرسلون طفلهم لأوّل مرّة لإطار تربويّ.

الالتقاء بالأهل والأطفال قبل بداية السنة هو أمر مهم جدا ومن شانه أن يساهم في عملية التأقلم. حيث يتعرف الأهل والطفل على المكان، على الطاقم التربوي بدون وجود أطفال آخرين. فيتحول المكان والأشخاص المجهولين للطفل لأمر محسوس، معروف له.  مما يشعره بالأمان، وعدم وجود الأطفال يعطي الطفل مساحة عاطفية وتفرغ عاطفي لتقبل المكان. يكون هو مركز الأحداث ويأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المحيط له. فيكون الانطباع الأول لهذا المكان والتجربة الحسية ايجابية بدون بكاء أو ضيق أطفال آخرين.  وكذلك بالنّسبة للأهل فهذا اللّقاء من شأنه أن يطمأن الأهل ويشعرهم بالراحة. من المهمّ في هذا اللّقاء تمرير معلومات للأهل حول الإطار، التوجه التربويّ للإطار، البرنامج اليومي والأمور الّتي يمرّ بها الطّفل خلال تواجده في الإطار.

وبالمقابل من المهمّ الحصول على معلومات من الأهل حول الطّفل، عاداته في النّوم، الغيار، الأكل،.. الأمور التي يحبّها، الأمور الّتي لا يحبّها.

المعلومات التي من شأنها أن تساعد المربّية في فهم الطّفل والتّعامل معه بتلاؤم، الأمر الذي يسهّل عمليّة التواصل بينهم ويتيح الفرصة لبناء تعلّق آمن بين المربّية والطّفل.

 

"اللّقاء الأوّل مع الأهل ساعدني كثير وخلاّني أفهم كيف أتعامل مع الطّفلة، لما كان حفاظها موسّخ عملت بإيدها هيك (أي دلّت على المربّية ثمّ على رجلها) وفهمت إنها بدها أغيّرلها البامبرز وكثير انبسطت إني فهمت عليها،.. لو أني ما أخدتش المعلومة من أمّها كنت فكّرت إنو إجرها بتوجعها أو إنو البوت مضايقها،..".

 

من المهمّ كذلك عزيزتي المربّية معرفة أنّ الطّفل يتفاعل مع المربّية ومع الحضانة بشكل مختلفة عن البيت فقد تكون ردود فعله للطعام الذي تقدمّه المربّية ولطريقة تنويمه مختلفة عن التّفاعل مع أمّه.  لذا علينا أن نأخذ ما يقوله الأهل حول طفلهم بعين الإعتبار ولكن مع إفساح المجال للطّفل لأن يتفاعل ويتجاوب مع أسلوبنا نحن الجديد عليه. من أحد الأمثلة الّتي أعطتها مربية حول طفلة في اللّقاء الأوّل:

"الأمّ أعطت فكرة مسبقة عن البنت صعبة بالأكل، بالنوم، مشيت البنت كثير منيح.  الأفكار المسبقة كان ممكن تأثر عليّ إنو أهملها. لأنها بتوكلش وبتنامش.

ومن الصفات الّتي أعطاها الأهل حول أطفالهم "طفل كثير غلبة"، "هي كثير نكدة"، "اللّي براسو بدو يعملو عنيد".

وهذه الصفات أو السلوكيّات لم ترها المربّية بتفاعلها مع الطّفل الأمر الذي يُبيّن أن الطفل يتفاعل بشكل مختلفة مع اختلاف البيئة واختلاف البالغ الذي يتعامل معه.

 

هناك أمور من شأنها أن تساعد الأطفال للتّأقلم للإطار الجديد وإشغال الطّفل بفعاليّات أو أغراض جذّابة فيها مُثيرات سمعيّة، بصريّة، حسّيّة. والّتي من شأنها إثارته وبالتّالي إشغاله عن مخاوفه للمكان والأشخاص الأغراب وجذبه للفعاليّة الأمر الّذي يساهم لتقرّبه للمربّية وتفاعله معها. وكذلك فعاليّات تتطرّق للمشاعر، قصص، استعمال دمى أصابع، ألعاب دمى، حيوانات. تتحدث عن المشاعر المختلفة التي يشعر بها الأطفال. الأمر الذي يمكّن الطفل من إلقاء وطرح مضامين من عالمه العاطفيّ والحسّيّ والتّعبير عنها.  كما ومن الممكن أن تشاركهم المربية بتجربتها كطفلة في التحاقها بالإطار الجديد.

هذه الأمور من شأنها أن تساعد الطفل في مواجهة الصّعوبات العاطفيّة والإجتماعيّة وبالتأقلم لأوضاع جديدة.

أخذ الأطفال بجولة للتّعرف على المكان، الساحات، الحمامات إلخ،.. وكذلك الطباخة أو الأشخاص الآخرين الذين لديهم صلة بالعمل مع الأطفال داخل الإطار.

إشراك الأطفال بالبرنامج المخطط لهذا اليوم من شأنه أن يساعد الطفل على الشعور بالأمان. لأن الطفل يعلم ماذا ينتظره من فعاليّات ويتوقعها فلا تكون مفاجأة بالنسبة إليه وتشعره بالسيطرة على ما يجري حوله. وكلها أمور مهمّة للتّقليل من شعوره بالخوف والغربة وعدم اليقين. مع الأخذ بعين الإعتبار الفروقات الفردية بين الأطفال، وكذلك الوضعية الخاصة الموجودة بها المربية والأطفال.

من المهمّ أن نحاول فهم عالم الطفل، الأمور التي يحبّها من ألعاب، طعام، أغاني، قرب جسديّ، إلخ،.. الأمر الذي يساعدنا على التواصل معه، وبالتالي بناء علاقة ثقة معه. فإذا عرفت كمربية أن طفل معين يتضايق من القرب الجسدي، فسأمتنع من معانقته وسأقوم بالحديث معه، محاولة تهدئته والتعاطف الوجدانيّ معه. كما وان تلبية الحاجات الأساسية للطفل بما يتلاءم مع كل طفل وطفل. تتبع حركاته وقراءة إشاراته التي تعبر عن فرحه، قلقه، حزنه... والتعامل معها بتلاؤم كلها أمور من شأنها بناء الثقة الأساسية بين الطفل والمحيط بما في ذلك المربية.

الأمر الذي يشكّل للأطفال متعة تقبّلهم دون قيد أو شرط الأمر الذي يعطي الطفل ثقة بقدراته، إحساسًا بالسيطرة ودعمًا لتقييمه لذاته.

إنّ استعمال غرض انتقاليّ هو غرض محبّب للطّفل يحضره من البيت مثل: لعبة، حرام، أي غرض يُشعر الطفل بالأمان ويكون الرابط بين الطفل وبيته الذي يمثّل الأمان في المكان الجديد والغريب وهو الحضانة. فمن المفضل أن يحضر الطفل غرض انتقالي معه من البيت. ومن المهم أن تنتبه المربية إلى هذا الغرض ومن خلاله تصل إلى الطفل، فتتحدث معه حول هذا الغرض.  فمثلاً من التجربة الّتي قامت بها إحدى المربّيات:

حضرت طفلة معها جزدان وحقيبة فيها كوم أغراض، صباح الخير جون كيف حالك أنا اشتقتلك بتحبي تعطي عبوطة لأمال، فركضت نحوي وعبطتني شوفي شو معي واو شو هذا كثير معك أشياء حلوة يا جون بتحبي نتفرج عليها أنا وياك والأولاد آه وجلست عندها طلبت منها أوّلاً أن نقول للماما باي وبالفعل قالت لماما باي وقعدنا نفتح أغراض جون نظارات وجزدان وبكلة وهي كثير مبسوطة هذا لي وهذا لي لا خدوهن قلتها لا هدول لجون، شو رايك بعد ما شفنا الأغراض نرجعهن علىالجزدان، فأرجعتهم وبدأت تلعب بالألعاب.

لقد استعملت المربّيات ضمن هذا المشروع، استعمال "كلب الفرو" كأداة لتسهيل عملية الإنفصال عن الأهل.         

تتحدّث إحدى المربّيات عن استعمالها لهذا الغرض فتقول:

لقد قمت من خلال اللّقاءات إعطاء الطّفل لعبة عبارة عن كلب من فروة ووضعتهم على شكل رفوف معلّقة، كلب داخل كل جسمه، آخر يخرج رأسه فقط، آخر نائم وآخر بشكل معلّق بأرجله.

وقد شكّلت هذه اللعبة مردود إيجابيّ لي شخصيًّا وأيضًا للأطفال أنفسهم وللأهل.

في البداية فكّرت أن هذه اللعبة سوف تكون أداة وصل بين الحضانة والبيت، وبيني وبين الأطفال والتخفيف عن الإنفصال عن البيت والتحبب من قبل الأطفال للحضانة.

ولكن استعملت هذه اللعبة لمحاولة التحدث وبداية حديث مع طفل خجول الذي ينظر إلي وهو يتفحصني ويتفحص البيئة الموجود فيها وهو جالس في حضن أمه وتحويل هذه اللعبة ليتحدث عن مشاعره، وعن ما يدور بخاطره حول هذا المكان الجديد. 

وأيضًا الطريقة الثانية، استعملتها في تعزيز الثقة وإعطاء مردود فعّال والإيجابية في التّعامل مع الآخر". فمثلاً، عندما طلبت منها أن تختار أي كلب تريد، فأشّرت أ،ا إلى الدمية هذه فقالت لا تريده فقلت لها أي واحد تختار فنظرت إلى الأخير وكان فقط رأسه الظاهر وقالت أمه ينادي عليها ويقول لها غريس تعالي تعالي، وعندما حملتها ورفعتها لتأخذ اللعبة، أخذتها وأعطتها قبلة وعبطة.

حيث أعطت المربّية هذا الكلب "الفرو" كهدية لكل طفل في اللّقاء الأوّل معه.  ولكن كان استعمال كل مربّية مختلفة حسب جيل الأطفال فمثلاً، أمال محضرة هدية كثير حلوة لجون بتحبي تيجي معي وتشوفي الهدية هزّت برأسها وطلبت منها أن تفتح الجارور ففتحته ووجدت الكلب فأخذته وتبسمت، قلتلها هذا الكلب من أمال عشان توخدي معك على البيت حلو شو رايك؟"

 

ومن الجدير ذكره أنّ هناك أطفالاً يتأقلمون بسرعة للإطار الجديد ولا نجد صعوبة تذكر في تأقلمهم.  فعلينا أن لا نفرض أنّ جميع الأطفال يكون لديهم صعوبة تأقلم. فتقول إحدى المربّيات "الطفلة فلانة فاجأتني ماكنش عندها صعوبة في التّأقلم وكنت محضرة حالي لصعوبة ولعياط والبنت كثير كانت مبسوطة وكانت تلعب عادي،..".

مهارات الإتصال لدى المربّية- من المهم أن تنتبه المربّية لأسلوب تعاملها مع الأهل ومع الأطفال في هذه المرحلة الصعبة، ففي الأيّام الأولى من تواجد الطّفل في الحضانة تظهر لدى الأطفال الكثير من السّلوكيّات الصعبة مثل البكاء المتواصل، الصراخ،.. وتقف أحيانًا المربّية عاجزة، غاضبة شاعرة بالضيق هي الأخرى أمام هذا البكاء.

لذا نرى أهمّيّة كبيرة في أن نطرح المهارات المختلفة للتّعامل مع هذه الأزمة.

·        تقبّل الطفل كما هو.

·        تقبّل الطّفل بدون شروط مسبقة.

·        عدم بناء أفكار مسبقة، فرضيّات عن الطفل وعدم التعامل حسبها،..

·        تفهّم مشاعر الطّفل إشعاره بالأمان وتقبّل صعوباته وبكائه.

-       نسب نوايا إيجابية للعمل والسلوك. أي أنّ الطّفل أو الأهل في سلوكيّاتهم المختلفة والتي تضع المربّية أحيانًا تحت المراقبة أو النقد هي ليست من نوايا سلبيّة وإنّما مصدرها القلق على الطفل.

-       عدم نسب المشاكل بشكل شخصي وإنّما تفهّم الصعوبات. (الشّعور بالضيق من قبل المربّية).

-       لغة أنا مقابل لغة أنت، من المهمّ أن تستعمل المربّية لغة الأنا مع الأهل أي: "أنا شاعرة،.."

-       وضوح الرسائل رسائل صحيحة- من المهمّ أن تفحص المربّية مدى وضوح رسالتها وأن رسالته وصلت للأهل صحيحة كما أرادت إيصالها وأن لا يفهمها الأهل بصورة خاطئة، وهذا ما يسمى

-       "مهارات فحص القصد".

-       الإصغاء.

-       التفهم

-       الحديث عن السلوك العيني مقابل عدم إعطاء وصمات للأطفال أو للأهل.

-       خلق ثقة.

-       المردود، التعامل مع الأطفال والأهل من المردود الصادر عن تجاربهم. (التّعامل مع وتيرة الأطفال وحسب تجاربهم)

-       تعزيز الإيجابيات في سلوكيّات الأهل والطّفل.

-       الحديث بمستوى الطفل (الأهل) وجه لوجه وبلغة مفهومة له.

-       لغة الجسم ونبرة الصوت ملائمة لما يقال.

-       تقبّل الإختلاف (الأهل، الطفل) تعبير مختلف عن صعوبة التّأقلم. هناك أهل يعبرون عن صعورة التأقلم بالإلتصاق بالطفل، أو بالإكثار من الأسئلة أو التعليمات للمربية وهناك أهل آخرون يعبّرون بشكل مباشر وواعي لصعوباتهم في الإنفصال عن طفلهم.

-       تفهم مخاوف الأهل وصعوباتهم.

-       بثّ الإهتمام بالطّفل والرسالة أنك أنت موجود- أنا شايفتك أنت مرئي. الحديث مع الطّفل حول لعبته (الأمر الذي يعطي الطفل شعورًا بأنه مرئي، مفهوم وشاعرين معه).

-       إشعار الطفل بالمحبة (طريقة الإستقبال) بتحب أبوسك.

-       التعاطف الوجدانيّ مع صعوباته ومع فرصه.

-       عكس المشاعر (أنها فاهمة أنك بحاجة للماما) الإنطلاق من مشاعر الطفل.

-       احترام مشاعر (الطفل) إعطاءها الشرعية حتى الصعبة والسّلبيّة منها.

 

من المهمّ أن أقوم بالتّعامل مع الطّفل حسب وتيرته، صحيح أنّنا كمربّيات نريد جذب الأطفال للفعاليّات المختلفة ولكن من المهم أن أعرف وتيرة البنت وأتقبلها كما هي وأن نجذب الطفلة بدون الضغط عليها "إحنا منحب تكوني معنا" واحترم وجودها بأنها على جنب، كل شيء يتعامل مع جاهزية الطفل ووتيرته مسموح.

علي أن أقوم بالأمور بالتدريج كي أفحص هل هناك صعوبة إنتقال، أو صعوبة تأقلم لدى الطفل.

من المهم إعطاء الطفل بديل أيّ أن يكون هناك إمكانيّة لأن تختار الطّفل عدم الإنضمام للفعالية وبالوقت ذاته أن تحصل على فسحة مع الغرض الذي تحبه أو يشعرها بالأمان ولا أقصد بهذا فقط الغرض الإنتقالي بل كل غرض أو لعبة من الحضانة المألوفة للطفل أو جديدة عليها وأثارت اهتمامها.

 

نموذجين للتّأقلم-

1. إلتصاق الطفل بالمربية- الطّفل يلتصق بي كلّ اليوم وإذا خرجت من الصف يبكي بشكل هستيري لدرجة أني أشعر أنه سيختنق.

2. وجود قريبة العائلة مع الطفل بهدف تخفيف صعوبة التّأقلم لدى الطفل. الأمر الذي بلبل المربية ومنعها من الإلتفات إلى الطفل وكأن هذه القريبة كانت عائقًا بالإقتراب للطفل.

 

"إشتغلت على حالي أكثر بالتقرّب من الطفل وكان الأمر إيجابيّ خلال أيّام قصيرة كثير تقربلي وبحاول يتفاعل... حاولت أكون معهم بشكل دائم وأن تكون الصلة والقرب، الجلوس على حضني، أحاول أن آخذه من قريبته بعد دخوله الحضانة بفترة قصيرة، حاولت أن أمسكه وأستقبله وحاول الإندماج بالفعالية وترك قريبته،.. صار في قرب أكثر، صاروا يحسّوا بأمان أكثر، ثقة أكثر، باهتمام أكثر،.. في حدا شايفهن أنهن مرئيين، شعرت مرتاحة وهن مرتاحين،..".

 

مربّية أخرى تتحدّث عن تعاملها مع صعوبة تأقلم لدى أحد الأطفال:

·        "يمكن ماكنتش أعطيهن الإهتمام الكافي، أعطيها إلي هي بدها إياه.  لما صارت تحسّ إني هالقد مهتمّة لإلها صارت تتجاوب أكثر.

كانت ما ماتحبش تلعب على البسكليتات اليوم صار عندها رغبة إنو تلعب وصارت تطلب مني.

صرت أقولّها تعالي نلعب مع بعض نمسك إيدين بعض.

كانت تشارك بالفعاليات، صرت أمسك إيديها، شعرت بالإهتمام.

كثير مهمّ كيف أتوجه، في حالة الإلحاح على الطّفلة بالتجاوب ممكن تشعر الطفلة مهدّدة أكثر في أطفال بحسّو إنو بحبو يراقبو وبدهن وقت أكثر.

"أنا بحب إنك تيجي معنا" إشعارها إنها مرغوبة، ولكن بدون ضغط على الطفلة، أن نمشي مع وتيرة الطفل، هناك أطفال بتحب تضل على جنب، مشاركة الطفل إني أنا فاهمتك، شاعرة معك.

 

تشارك مربّية من المربّيات صعوباتها في التّأقلم في العمل في الإطار التربويّ الجديد:

الصّعوبات: عدم تعرّف على الطاقم، عدم معرفة ما يوجد في الحضانة في البداية كان تخوّف من الأهالي، الآن أصبح الوضع ليّن تأقلم الأولاد كان في البداية صعب، اليوم الأولاد يحاولون الدّخول لوحدهم علىالحضانة.

شعوري بالبعد وأتأمل إنو يزيل.

"حسّيت حالي زي الأطفال بدهن يتأقلمو للصفّ وللمكان وأنا نفس الشي".

 

وأضافت أنّها شاركت إحدى زميلاتها:

"الجمل اللي كانت تحكيها هي نفس الشعور اللي أنا حاسسته وكنت كثير أرتاح". "كانت تحكي بالزبط إيش أنا شاعره".