العنف في جيل مبكر

يعتبر سلوك طبيعي مرافق للمسار النمائي, مثلا عندما يدرك الطفل انه شخصية مستقلة ذات كيان منفصل عن امه ممكن ان يعبر عن ذلك بعنف.  كما ويرافق العنف كمظهر مرتبط بالنمو والتطور مراحل مختلفة من الطفولة, فالطفل وفي مراحل نموه الاولى حيث تكون صفة الانوية (اي التمركز حول الذات) صفة طبيعية مميزة للمرحلة, نلحظ  ان الطفل  يعبر عن ادراكه الانوي بسلوكيات نترجمها بانها عنيفة مثلا الطفل في مثل هذه المرحلة وبانويته لا يدرك  لماذا عليه التنازل عن لعبته المفضلة او عن غرض امسك به, لطفل اخر, ويعبر عن رغبته للاجتفاظ بالغرض, بسلوكيات "عنيفة".  ومع نمو الطفل وتتطوره وزيادة تجاربه الاجتماعية وقدرته على التفكير تتوازن سلوكياته اكثر ويتعلم التفاعل الاجتماعي بطرق مختلفة, خاصة اذا كانت بيئته التى ينمو ويتطور بها واعية للمظاهر الطبيعية المرافقة للنمو وتقدم له نماذج متنوعة لحل مشاكله.

 

العنف يمكن الطفل من فحص قوته امام البيئة الاجتماعية "من اقوى مني" وامام البيئة المادية "استطيع كسر اللعبة, استطيع فكها", كما وانه سلوك يستخدم بمواقف ليست بالضرورة جميعها سلبية.

 

فالعنف في بعض الاحيان هو وسيلة للتعبير وتمرير رسائل سلبية لمن حوله عندما يشعر الطفل بضيق او  بالتمييز, او بعدم المتعة.

 

كما ويمكن ان يظهر عنف من نوع اخر وهو عنف الناتج عن الاحباط , الغيرة, الشعور بالتمييز, او كوسيلة لجذب الانتباه والظهور.  

 

العنف هو سلوك مكتسب ايضا, يمكن ان يكتسبه الطفل نتيجة لنموه في بيئة عنيفة, كتوفر نماذج والدية عنيفة او نماذج لدى الاشخاص الراشدين او الاطفال الاكبر سنا اللذين يستخدمون العنف بصورة سلبية يتعلمها الطفل ويتخذ منها الية لحل مشاكله.  البيت العنيف, الوالدين هما نماذج تعلمية يتماثل الطفل معهم ويتعلم منهم حتى في حالة كونه هو ضحية هذا السلوك العنيف, فانه يتعلم استعمال العنف على من هو اضعف منه, ويصبح العنف لديهم الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الغضب او لحل الصراعات. من الممكن ان يصبح الوسيلة للتعبير عن المشاكل العائلية التى يعايشها نتيجة للتوتر السائد بين الوالدين, او  وسيلة للتعبير عن مشاكل كبيرة لا يستطيع فهمها واستيعابها, كمرض احد المقربين, او في حالات الموت, او تغييرات طرأت على حياته ولا يفهم كنهها.

 

 اي ان البيئة الاجتماعية بمركباتها المختلفة ممكن ان تشجع الاستعمال السلبي للسلوك العنيف, ليصبح الوسيلة الوحيدة مثلا لحل المشاكل او ليصبح كسلوك مثمن مجتمعيا او سلوك مرفوص اجتماعيا.

 

لذا وعلى الرغم من كون العنف سلوك بشري طبيعي مرافق للنمو, فقد وضغت غالبية المجتمعات البشرية حدود وقوانين مكتوبة ومنقولة للتحدد من سؤ استعمال القوة, ولمنع  سيطرة القوي على الضعيف, لدرجة ان مستوى تحضر المجتمعات البشرية اصبج يقاس بمدى ما يوفره المجتمع المعين من وقاية وحماية للفئات الضعيفة المتواجدة به.

 

والحدود وتذويتها هي من الامور المرافقة للتربية ايضا, ونشهد في العديد من الاحيان ان الاطفال يسيئون استعمال قوتهم ويستخدمون السلوك العنيف اذ لم توضح لهم البيئة ما هو مسموح وما هو ممنوع  فالرسائل التى يستقبلها من البيئة غير واضحة, ولا تضع حد لعنفه فيمكنه ان يعض, يرمي, يخبط, والاهل يخضعون ويحصل على ما يريد.  خضوع الاهل امام عنف الاطفال ممكن ان يشجع العنف.  او انه لا توجد مثابرة في وضع الحدود فعندما يكون الوالد في نفسية جيدة يسمح للطفل بكل شيء, وعندما يكون بنفسية سيئة يعاقب بقسوة, كما ونرى في بعض الحالات عدم مثابرة وحزم بين الوالدين انفسهما, فالام تسمح والاب يمنع او العكس, او عدم التوافق بين البيت والمربية في الحضانة او الروضة, مما يبلبل الطفل ويدفعه لاستخدام سلوك عنيف.

 

ظاهرة اخرى مرتبطة بمجتمعنا وهي تشجيع السلوك العنيف خاصة لدى الذكور, فالطفل ومنذ نعومة اظافره يحصل على رسائل تعزز السلوك العنيف لديه.

 

تكرار السلوك العنيف ممكن ان تصبح سمة يتصف بها الطفل ويلقب بالقاب "كالطفل العاطل"  "العدواني" ويصبح الامر كالنبؤة التى تحقق ذاتها.

 

العنف ممكن ان يظهر كتعبير عن ازمة مشاعرية وصعوبات مختلفة  كصعوبة في التأقلم, صعوبات جسدية, مشاكل نطق, مشاكل في السمع او الرؤية , مشاكل اجتماعية, مخاوف, صعوبة في الانفصال, وصعوبات اخرى مختلفة ممكن ان تمس بالرؤية الذاتية وتخلق شعور بالفشل والتى يعبر عنها بالعنف.

 

 العنف ممكن ان يكون نتيجة لضغط البيئة الفائق للتفوق مثلا, وعندما لا يستطيع النجاح بكل شيء فان رد فعله الغاضب على انه لم يحصل على النتيجة المتفوقة التى ارادها. اي ان عدم اجابته على توقعاته من ذاته او من البيئة ممكن ان يعبر عنها بسلوك عنيف.

 

العدوانية ممكن ان توجه ليس فقط بسلوكيات للبيئة , للاخرين, الصغار والكبار والحيوانات والاملاك, بل ممكن ان توجه للذات, مثل ضرب الرأس بالحائط, معط الشعر, العض على الشفتين, كما وهنالك سلوكيات سلبية ممكن ان تعبر عن العدوانية مثل رفض التعاون, عدم الاجابة لمن توجه اليه, رفض التحرك عندما يعيق او يجلس مكان طفل اخر.

 

يعبر الاطفال عن العدوانية بسلوكيات جسدية ومع التطور تزيد السلوكيات العنيفة تنوعا لتشمل الكلام, المسبات, اهانات, تهديدات.

 

لقد ذكرنا ان هذه السلوكيات طبيعية لذا غياب السلوكيات العدوانية, امر يثير القلق, فمثل هذا الطفل الذي لا توجد لديه ردود فعل عدوانية حتى اذا هوجم او اهين ممكن ان يكون طفل يخاف من فقدان السيطرة على دوافعه او طفل لديه صعوبة الدفاع عن حقه او طفل يخاف كثيرا من غضب الاخرين.

 

السؤال متى علينا ان نقلق من السلوكيات العدوانية لدى الاطفال؟

عندما توجه العدوانية للذات فهي جدا خطيرة للصحة النفسية لانها لا تسمح له في التعبير عن المشاعر الهدامة

عندما تكون العدوانية هي الطريقة العادية للتعامل في ظروف شتى, احباط, قلق, غيرة, تنافس, ولا توحد بدائل او طرق اخرى للتعامل

عندما تكون السلوكيات العدوانية بوتيرة عالية ومستمرة على فترة من الزمن او عندما تظهر لدى طفل لم يكن يستعملها من قبل, او عندما يكون مستوى السلوك العدواني لدى الطفل يختلف بشكل واضح عن باقي ابناء جيله.

عندما تؤدي العدوانية الى خلل احتماعي كبير مثل رفض من قبل الاطفال والراشدين الاخرين الذين يجب ان يهتموا به,  اذ تخل العدوانية بمثل هذه الحالة برؤيته الذاتية والاجتماعية وتؤدي الى الشعور بالذنب وتؤذي نموه العاطفي والاجتماعي.

 

كيف يمكننا ان نمنع السلوكيات العدوانية؟

يمكننا المنع عن طريق تقديم رسائل مثابرة وواضحة عن المسموح والممنوع في البيت, الحضانة, الروضة والمدرسة, وبتلائم بين الهيئة التربوية والاهل.

 

طريقة اخرى خاصة في جيل الطفولة المبكرة هو نماذج الوالدين في العائلة, الاب والام فكلما كانت شخصيتهما معتنية, ناعمة, محبة, متداخلة كلما توازنت العدوانية لدى الطفل.  كما ومن المهم ان يتعلم الطفل ان العدوانية غير مفيدة, وان العدواني لا يحصل على حقوق اضافية.

 

خلق اجواء غير مشجعة للتنافس الفوضوي, الامتناع عن المقارنة بين الاطفال, واهانة من ينجح اقل بالاضافة الى التخفيف من ردود الفعل المعاقبة او التهديدات والامتناع عن اهانة الاطفال واخافتهم.

 

الراشد هو نموذج يستعمل اتصال كلامي معبر عن تعاون واقل ما يمكن من الاوامر دون تفسير

توسيع امكانيات ردود الفعل بالتعامل مع المشاكل والصعوبات, كلما زادت وسائل التعامل وتوسعت كلما زادت امكانيةان تقل العدوانية وتتوازن.  خاصة باستعمال اللغة من اجل التعبير عن المشاعر والتنفيس عن الغضب.

 

من المهم عدم الخوف من الكلمات التى تعبر عن المشاعر العدوانية ومن المهم تمكين الطفل من التنفيس عن هذه المشاعر حتى وان قيلت بغضب.

من المهم تشجيع طرق التعبير الكلامي الواضح كبديل للدافع العدواني, كذلك من المهم توفير فعاليات حركية تمكن من التنفيس كالنجارة, الدق على الطبل او الدف, الطين...