المساواة بين الجنسين في الطفولة المبكرة                                        

                                                                                 نبيلة اسبانيولي

 

تبدأ غالبية المقالات حول الطفولة المبكرة بالتأكيد على أهمية هذه المرحلة للطفل/ة ولنموه/ا وتطوّره/ا المستقبلي.  هذه الحقيقة أصبحت معروفة للقاصي والدَّاني ودفعت العديد من الدول للتفكير في تغيير أولوياتها بحيث أصبحت الطفولة وعلى الأخص في السنوات الأولى من عمر الطفل/ة تلقى اهتماماً متزايداً.. وانعكس ذلك مثلاً في زيادة فترة إجازة الحمل مدفوعة الأجر، ليتمكن الوالَديْن من تقديم الرعاية والعناية الملائمة لطفلهما/طفلتهما.  كما وانعكس ذلك في تمكين أحد الوالَديْن من الاستفادة من هذه الإجازة، فهي تعطى في بعض البلدان ليس فقط للأم بل بإمكان الأب أن يتمتع بهذا الحق أيضاً.  نلحظ في بعض البلاد أيضاً دخول مستثمرين ربحيين لهذا المجال، إذ أصبحت البرامج المقدَّمة للأطفال مطلوبة من الأهل حيث أنهم أصبحوا على استعداد للاستثمار بشكل أكبر في أطفالهم.. فنرى مثلاً:  البرامج الإثرائية التي تقدَّم للأطفال بشكل مكثَّف كما ونشهد مراكز الترفيه للأهل والطفل.. وغالبية هذه المراكز أصبحت تدار بشكل ربحي.  هذا يُظهِر أن الاهتمام بالطفولة أصبح أولوية وطنية وفردية وهو أمر نبغي الوصول إليه في مجتمعنا أيضاً, على الرغم من أننا نعتقد أنّ على الدولة أن تضمن منالية جميع الإمكانيات لكل الأطفال كي لا تصبح الأماكن الترفيهية والإثرائية مقتصرة على أصحاب الأموال.

 

إن أحد العوامل المهمة التي تعكس الاهتمام النوعي بالطفولة هو: "الاهتمام بالمساواة بين الجنسين" لما في ذلك من تأثير على نمو الأطفال وتطوّرهم.  فالاهتمام بالمساواة بين الجنسين يزيد من الإمكانيات التي تتوفر للأطفال الذكور والإناث من تطوير قدراتهم الكامنة وتمكِّن كل فرد منهم من الوصول إلى الأفضل.

 

من المعروف أن الطفل والطفلة يتأثر كل واحد منهما من بيئته وما يتوفّر بها من إمكانيات، من الأطفال الآخرين ومن الراشدين وردود أفعالهم ومدى دعمهم للنمو.  فإن تخلَّفنا عن دعم الطفل/ة وتوفير الشروط الملائمة لنموه/ا فإن هذا سيؤثّر سلباً على الطفل والطفلة.

 

ما زال هناك العديد من المظاهر السلبية التي تفرِّق بين الطفل والطفلة في مجتمعنا وتمنعهما من الوصول إلى قدراتهما الكامنة.  ومن هذه المظاهر ما نلحظه في فترة الحمل حيث أصبح من المتَّبع أن نتعرّف على جنس الجنين وهو في رحم أمه، فنرى الأصدقاء والأقرباء الذين يقدِّمون المواساة للأم الحامل إذا عُرِف أنها تحمل في أحشائها طفلة.. بالإضافة إلى أن الأطباء يحاولون إضفاء صفات محدَّدة على الطفل الذكر فيصفونه بصفات ما زال الاعتقاد أنها ذكورية، مثل:  أنه عنيف وقوي.  بينما يصفون الطفلة بأنها:  ناعمة، هادئة وما إليه من الصفات التي ما زال الاعتقاد أنها أنثوية.  وتستمر الصورة وتكتمل عندما تلد الأم فنرى بعض الآباء ممن لا يحضرون لزيارة زوجاتهم في المستشفى إذا وُلدت لهم بنت.. وكأنها هي التي حدّدت جنسها وعليها أن تتلقى العقاب.  بينما نرى مظاهر الاحتفال لولادة طفل ذكر.. فيحضر الأب وبيده هدية للأم وللطفل..

 

وتستمر المظاهر السلبية فنشهد في بعض المناطق اهتماماً أكبر بتغذية الذكر عن تغذية الأنثى.. واهتماماً أكبر ببكائه، فلا يسمح له بالبكاء لئلا يصيبه مكروه! بينما تُتْرك الطفلة باكية ويجدون لبكائها الأعذار، مثل: أنّه جيد للفتاة إذ أنه "يحسِّن صوتها"..

 

كلّ هذه المظاهر وغيرها يمكننا التوقف عندها، واستبيان سلبياتها وتأثيرها على الطفل/ة.  لكن الأهم هو التوقف عند تأثيرها على الطفل/ة.

 

يأتي الأطفال إلى العالم وهم مزوّدون بقدرات أساسية تضمن نموهم وتطوّرهموالطفل هو أكثر المخلوقات البشرية تأثراً ببيئتهإذ أنّ القدرات الكامنة التي يولد معها بغالبيتها لا تتطور تلقائياً. لنأخذ على سبيل المثالموضوع اللغة لتوضيح هذا التأثيرغالبية الأطفال في العالم مجهّزين بكل ما يحتاجونه لتعلّم اللغة، ولكن أي لغة يتعلمون؟ ومدى غناها ومدى قدرة الطفل على استعمالها للاتصال والتواصل السليم.. كلّها منوطة ببيئته وتجاربه التي سيمر بها وردود الفعل على سلوكياتهفكل الأطفال في العالم يصدرون الأصوات الأولى نفسها ولكن ردود الأفعال على هذه الأصوات تختلف من بيئة إلى أخرى... ومدلولات أصواتها تختلف أيضاًكما وأن الأصوات التي يسمعها الأطفال في البيئات المختلفة تختلف أيضاً مما يوفِّر تجارب متنوعة أيضاً للأطفال. لهذا ففي النهاية تحدّد لغة الطفل/ة من لغة البيئة التي يعيش/تعيش فيهاهذا المثال يوضِّح أنّ للبيئة تأثيراً كبيراً على الطفل/ة وعلى تطوره/اولكن يتأثر الطفل/ة من المساواة أو عدم المساواة,.  جميع المظاهر التي ذكرناها سابقاً  تؤثِّر على بلورة الطفل/ة، ميوله/ا ورغباته/ا وسلوكياته/ا.

 

يتلقى الأطفال ردود أفعال مختلفة على سلوكياتهم المتشابهة مما يؤثِّر على تطوّرهمويرتبط بعض ردود الأفعال هذه بجنس الطفل إن كان ذكراً أَم أنثىوهذا الأمر يؤثِّر على الأطفال وعلى سلوكياتهم، رؤيتهم لذاتهم، شخصيتهم، اهتماماتهم، ميولهم، خياراتهم، مواقفهم، ابداعاتهم، نجاحاتهم واخفاقاتهمفإن كان تعاملنا مبني على التمييز بين الجنسين فإننا بهذا نقف حجر عثرة أمام تطوّر القدرات الكامنة لدى الطفل والطفلة وبالتالي نكون عقبة أمام تطوّر المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الأفراد أطفالاً وطفلات.