تفاعل الطفل مع الأشخاص (كباراً وصغاراً) يحفز عملية التعلم عند الطفل وينشّطها ويشجّعها ويدعمها

                                                                                                                            نبيلة اسبانيولي

أخصائية نفسية

مديرة مركز الطفولة

الناصرة

 

كلنا نتعلم، أطفالاً وكباراً، في المدرسة، والبيت، في الحضانة والحديقة، في الروضة والغابة. نتعلم من تجاربنا الذاتية مع المواد ومع الآخرين، ونتعلم من مراقبة الآخرين ومن تجاربهم. يتأثر التعلم بعدة عوامل أهمها:

* مستوى نضج الطفل، وهذا يعني أنّ الطفل يتعلم بوسائل متنوعة في مراحل نموه المختلفةيقتصر تعلم الطفل في أول سنتين من عمره على التجارب المحسوسة التي يمر بها، وحواسه هي المصدر الأول لجمع معلوماته عن البيئة من حولهفهو يتعلم مثلاً من وضع اللعبة في فمه، وتذوقها، وتحسّسها وسماع صوتها، وهي بين يديه، أو عندما تسقط منه على الأرضمع نمو الطفل وتطوره تزداد قدراته على مراقبة ظواهر معينة والربط بين السبب والنتيجة، وتذكُّر حوادث سابقة، وما إلى ذلك من قدرات عقلية يزداد استعمالها مع نمو وتطور الطفلنشير أيضاً إلى الفوارق الفردية بين الأطفال والتي تنبع من الفوارق في مستوى النضج.

* العامل الثاني الذي يحفّز عملية التعلم هو المبادرة الذاتيةفعندما يبادر الطفل إلى تحسس غرض ما، أو إلى التلاعب به بدافع حب الاستطلاع الطبيعي لديه، تكون دافعيته الذاتية في أوجها، وبالتالي يكون استعداده كبيراً لالتقاط المثيرات والتعلم عنها.

أما إذا فرضنا على الطفل القيام بفعالية معينة، فقد قلّلنا من شأن دافعيته الذاتية وبالتالي أضعفنا استعداده لمتابعة التغيرات في المادة، ومراقبتها وتحليلها أي التعلم منها.

* العامل الثالث هو البيئة الغنيةوعندما نتحدث عن البيئة فإننا لا نعني البيئة المادية الجامدة فقط، وإنّما البيئة البشرية أيضاً بجميع مكوناتهاحين تتوفر للطفل بيئة غنية بالمحفزات فانه سيسعى للتعرف عليها، ومراقبتها، وتحليل تأثير أعماله عليها، والتعلم من هذه التجاربوإذا وُجد في هذه البيئة أشخاصٌ مهتمون بالطفل، يدعمونه ويشجعونه ويحافظون على النظام في البيئة، ويوفرون الحب والحنان والرعاية اللازمة للطفل، فانهم بذلك يُهيّئون بيئة عاطفية متقّبلة، مشجعة تُعزّز تَعلُّم الطفل.

إنّ الأشخاص الذين يعايشون الطفل ويرافقون تجاربه كلامياً ويتحاورون معه، ويدعمونه وقت الحاجة هم وسطاء بين الطفل والمادة، وبين الطفل والأطفال الآخرين.

وإذا قدّر هؤلاء الأشخاص نجاحات الطفل وأبرزوها، زادوا من رغبته في التجربة وبالتالي في التعلّم.

من الواضح أن هذه العوامل الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض، فالبيئة الغنية تختلف باختلاف مستوى نضج الطفل، والمبادرات الذاتية تتنوع في مراحل النمو المختلفة، فلا نتوقع أن يقوم الطفل ابن الشهر بالمبادرة في لعبة جماعية مع الأطفال الآخرين أو في لعب تمثيلي، بينما نتوقع ذلك من الطفل ابن الخامسة.

لا يحدث التعلّم في فراغ، بل إنّ كل عملية تعلُّم هي مسار، يلتقي به الطفل مع البيئة المادية والبشريةإنّ درجة تفاعل الطفل مع بيئته المادية والبشرية تؤثر إلى حدّ كبير في تعميق معرفته عن هذه البيئة.

فإن لعب الطفل مثلاً في بيئة مادية غنية، فانه سيجمع العديد من الأحاسيس والانطباعات، لكنه لن يستطيع ترجمتها دون دعم الراشد، ومرافقته اللغوية الداعمة المتلائمة مع مستوى نضج الطفل واهتماماته.

وإذا لعب الطفل في بيئة غنية بالمثيرات الحسيّة وخالية من أطفال آخرين، فانه سيجرب التعامل مع المثير الحسّي بذاته ويحاول اكتشاف أسس اللعب بهأما إذا تواجد مع أطفال آخرين يجربون أيضاً، فهو يراقبهم، ويتعلم من تجاربه وتجاربهموإذا تواجد راشد داعم ومشجع ومتقبل، ومتفهم للأطفال ومراحل نموهم، فإنه سيرافق كُلاً منهم حسب اهتماماته، ومستوى نموه، واستكشافاتهفيدعم، ويوجّه ويحاور، ويسأل، ويستكشف ويراقب.

إنّ جميع هذه الأمور ستسّهل على الأطفال عملية التعلّم، وتتيح للراشد أن يتعلّم من الأطفال وعنهم.