حلّ الصّراعات

                                                                             نبيلة اسبانيولي

 

هنالك عدّة أنواع من الصّراعات وعدّة تعريفات، التّعريف البسيط للصّراع هو "علاقة بين طرفين أو أكثر، لديهم أو يعتقدون أنّ لديهم أهدافًا لا تتوافق مع بعضها البعض" وعليه فإنّ الصّراع حالة طبيعيّة ممكن أن نعايشها في حالات مختلفة وفي أوضاع مختلفة بيننا وبين من حولنا من أقرباء وأحبّاء وحتّى في بعض المرّات بين الشّخص وذاته، فعليه الصّراع هو أمر طبيعيّ. حلّ الصّراع أو الصّراعات بشكل إيجابيّ يسهم في تعلّمنا ونموّنا، لذا من المهمّ أن نتعامل مع الصّراعات ونتعلّم التّعامل معها بطرق مختلفة.  الصّراعات هي طبيعيّة وحلّها قد يؤدّي إلى تحسين في أوضاع جميع الأطراف، عليه فإنّ الصّراع أمر حيويّ جدًّا وبدونه يمكن أن يتَجمّدّ الأشخاص والمؤسّسات والمجموعات وتموت كلّها وتنهار اجتماعيًّا تحت عبء أحمالها، إذ لا تستطيع التّأقلم مع الظّروف المتغيّرة بشكل متسارع.

هنالك عدّة عوامل تؤثّر على كيفيّة التّعامل مع الصّراعات وحلّها، ومن أهمّها الطّرق الّتي نتعلّمها خلال مسار نموّنا، لذا فإنّ تعلّم مهارات حلّ الصّراعات تشكّل أحد المجالات المهمّة جدًّا والّتي نحتاج إلى تعزيزها، وتعلّمها في الطّفولة المبكرة وفي مسار الحياة.

فهناك من يختار أن "لا يتعامل مع الصّراع" ويتركه دون تدخّل وكأنّ شيئًا لم يحدث. وينبع هذا الخيار من عدّة أسباب، عدم إيجاد استراتيجيّة ملائمة بعد، أو لا يوجد لدينا صلاحيّات للتّدخّل أو لا توجد لدينا دافعيّة لذلك، أو نختار عدم التّدخّل لتقديرنا أنّ الصّراع سيحلّ لوحده، أو ستصل الأطراف المتنازعة إلى الحلّ الأفضل لوحدها "فلنترك الأمر ليتصالحوا".

وفي جيل الطّفولة المبكرة، يستطيع الأهل أو المربّون استخدام مثل هذه الإستراتيجيّة مع أطفالهم خاصّة عندما لا يشكّل الصّراع خطرًا مباشرًا على الأطفال، ويستطيع البالغ أن يترك الأمر ليحلّه الأطفال بأنفسهم، تركنا للأطفال لحلّ مثل هذه الصّراعات سيسهم في فهمنا ومعرفتنا بأطفالنا وستفاجأون لمقدرتهم على حلّ المشاكل بأنفسهم.

 

بعضنا يختار الإنسحاب: ينبع خيار الإنسحاب من عدّة أسباب.  فقد يكون الإنسحاب ناتجًا عن تقييمنا بأنّ الأمر آخذ بالتّدهور، وإذا بقينا نحن نعرّض أنفسنا والآخرين للخطر، أو أنّ بقاءنا هو أحد المسبّبات للصّراع، طبعًا الإنسحاب نفسه لا يحلّ المشكلة، بلّ قد يوفّر وقتًا ومتّسعًا للأطراف أو للطّرف الآخر في حالة كنّا جزءًا من الصّراع، أن يهدأوا. في جيل الطّفولة المبكرة، إنسحاب البالغ من حلبة صراع بين طفلين قد توفّر رسالة لهم للتّعامل مع الصّراع بأنفسهم، ولكن طبعًا لا نستطيع الإنسحاب كبالغين من صراع قد يؤذي أحد الأطراف، معرفتنا بأطفالنا وثقتنا بقدرتهم على حلّ مثل تلك الصّراعات، يمكّننا من اختيار الإنسحاب في بعض المرّات ورسالتنا هنا أنّكم قادرون على حلّها بأنفسكم، أو أنتم تعلمون أنّني هنا حاولوا بأنفسكم وإذا احتجتموني أخبروني بذلك.

 

ردّ فعل:  لا نغيّر سلوكنا بشكل أساسيّ، بلّ نردّ فعلاً ونعبّر عن موقفنا دون أن نغيّر علاقتنا أو سلوكنا تجاه الآخر بشكل أساسيّ، أو تجاه المتصارعين. كردّ فعل الأب أو الأمّ على سلوك طفلهم غير المرغوب به دون أن يغيّر هذا من حبّهما له. ردّ الفعل مهمّ أن يكون متوافقًا مع نوعيّة الصّراع، فلا يكون ردّ الفعل قاسيًا بل متلائمًا مع الصّراع القائم. ردّ الفعل قد يكون الفصل بين المتصارعين الأطفال وفسح المجال لهم لرؤية الصّراع بهدوء أكثر.

 

التّأقلم:  متابعة مستمرّة "للصّراع" وتغيير بعض الخطوات بناء على فهمنا للصّراع وتغييراته، مع التّأكيد على استماع الأطراف وأخذهم بعين الإعتبار. في جيل الطّفولة المبكرة تدخل المربّية قد يسهم في عدم تأءّم الصّراع، مثل إحضار لعبة جديدة أو أخرى ووضعها بين الأطفال، يمكن أن يمنع الصّراع أو اقتراح الحديث بنغمة هادئة قد تساعدهم على حلّ الصّراع، إذ يستمعون إلى بعضهم البعض.

 

دعم: تدعيم الأطراف للتّعامل مع الصّراع وذلك من خلال تعزيز مهاراتهم، وكأن نقترح أن نستمع للطّرف الآخر وما لديه، أو أن نعكس لأحد الأطراف ما يعبّر عنه، أو نسائله حول المعلومات ومصدرها وصحّتها. جميع هذه المهارات يمكننا أن نعزّزها من خلال عملنا بالطّفولة المبكرة، فنعزّز مهارات الحوار بلّ وحتّى يمكننا تحويل هذه المهارات إلى طقوس لحلّ الصّراع، فكلّما كان بين الأطفال صراع يمكنهم التّوجّه إلى مكان خاصّ في الغرفة ليجلسون ويحاولون الوصول إلى حلّ مشكلتهم، كما ويمكن أن نمأسس تدخّلنا كأهل أو كمربّيات بأن نقول مثلاً "فقط عندما تصلون إلى طريق مسدود يمكنكم طلب مساعدتي" ولكن طبعًا من المهمّ أن نبدأ في مهارات محدّدة وبالتّدريج نبني الإستراتيجيّة الملائمة لنا ولأطفالنا.

 

التّدخّل: التّدخّل المباشر في الصّراع وتوفير فرص لحلّه، بأن نطلب أوّلاً من كلّ واحد أن يعبّر عن رأيه حول الصّراع ووجهة نظره ونقوم نحن بعكس مشاعر الطّرفين، ونعطي شرعيّة للمشاعر دون حكم على أحد الأطراف. وهكذا بشكل تدريجيّ إلى أن نصل إلى حلّ الصّراع.

جميع هذه الإستراتيجيّات نستخدمها ككبار ويمكن أن ننمّي استخدامها لدى الصّغار وعلى وجه الخصوص المهارات المطلوبة لحلّ الصّراع بشكل يرضي جميع الأطراف.