دور المربّية في إكساب الطّفل/ة مهارات التّعامل مع الصّراعات

 

                                                                                   أمال دحدل

 

سأبدأ مقالتي بمشهد من حياة الحضانة حيث يجلس بعض الأطفال معي على الأرض، نركّب ليجو (لعبة بركيبيّة) سامي يضع الطّابة بجانبه، وبينما نتبادل الأحاديث أنا والأطفال عمّا يركّبون أو ماذا فعلوا البارحة، جاء عليّ من الخلف وأخذ طابة سامي وذهب يلعب بها وهو فرحان ومبسوط، لكن عندما رآه سامي قام كالصّاروخ وغاضبًا وهو يصرخ ويركض باتّجاه علي، "لا تلعب بطابتي هاي اللّي بابا شرالي إياها"، وبكى. وعليّ يحمل الطّابة وعلامات الخوف والبلبلة وعدم الفهم مرسومة على وجهه ويركض في الغرفة وسامي يلاحقه حتى وصل لعلي وقام بأخذ الطّابة من يديه بقوّة وأوقعه على الأرض، بدأ علي بالبكاء أيضًا، وهكذا وبدقائق قليلة أصبح المكان مشحونًا بالصّراخ والبكاء.

هذا موقف بسيط ومتوقّع حدوثه بين الأطفال، وهنا تبدأ مسؤوليّتي بالعمل كمربّية وكيفيّة التّعامل بالشّكل الصحيح. في مثل هذه المواقف قد ينظر بعضنا إلى أنّ سبب هذا الخلاف هو تافه أو بسيط إلاّ أنّه بالنّسبة للأطفال هو موضوع مهمّ جدًّا وعلينا إعطاءه حقّه وأخذه على محمل الجدّ.

قبل كل شيء يجب أن نكون واعين ومتفهّمين بأنّ الطّفلين يحتاجان تعاوننا ودعمنا ومحبّتنا وأنّ الطّفلين منزعجان ومتضايقان، الطّفل الّذي سُلبت منه الطّابة والطّفل الآخر الّذي أخذ الطّابة ليلعب بها وبالنّهاية ضُرب وهو لا يفهم ويتساءل لماذا ضربني ماذا فعلت لأستحقّ مثل هذا التّصرّف؟؟ كلّ الّذي فعلته هو أنّني أردت اللّعب بالطّابة؟!

وقبل أن يتطوّر الموقف أكثر وليأخذ حجمه الطّبيعيّ، توجّهت نحو الطّفلين وحضنتهما ونظرت لهما وأخبرتهما: "أنا أعلم أنّكما متضايقان، وتبكيان وكلّ واحد لديه سبب لذلك، ولكن بطلب منكو تحاولوا تهدأوا شوي حتّى أقدر أحكي معكو"، وأنا دايمًا وباستمرار خلال الشّجار أكرّر للأطفال هذه الجملة "حتّى نسمع ونفهم يجب أن نكون هادئين" وحتّى يكون الأطفال متفرّغين لاستقبال كلمات المربّية وفعلاً بدأ الأطفال بالهدوء ولكن كل واحد ينظر للآخر نظرات عتاب ولوم وغضب وتساؤلات، مثل: لماذا أخذت طابتي؟ لما ضربتني؟

بدأت الحديث مع علي وهو بحضني "شو يا علي حابب تقول لأمال وسامي إشي"؟ هزّ برأسه لفوق أي "لا" فقلت له: طيّب أنا حابّة أسمعك أنا شايفة إنّك زعلان، نظر علي إلي وبصوت حادّ قال لي: "ما هو سامي بركّب ليجو بلعبش بالطّابة وأنا بدي ألعب بالطّابة" آه أنا فهمت إنت حابب تلعب بالطّابة، جاي عبالك تلعب بالطّابة وأنا كمان كثير بحب ألعب بالطّابة وسامي والأولاد كمان، بس بالأول لازم نطلب من سامي شو رايك؟ ووجّهت نظري للطّرف الآخر وبدأت الحديث مع سامي "شو سامي هديت شويّ، ممكن نحكي أنا وإيّاك وعلي، حابب إنت تقولّنا إشي"؟ "آه هاي الطّابة إلي لأ يلعب علي فيها طابتي عليها نجمة، أنا جبْتها" آه صحّ أنا بعرف إنّك جبتها من البيت بس ليش جبتها على الحضانة؟ شو بدك تعمل بالطّابة بالحضانة؟

بدي ألعب مع الأولاد جول بالسّاحة، أنا مبارح لعبت مع البابا بالبيت وقلتلوا بدي ألعب مع الأولاد بالحضانة جول" ومع صاحبي علي ويزن".

أه إنت بدّك تلّعب مع علي ويزن كمان كثير منيح، شو رأيك كان ممكن لما علي أخذ الطابة من وراك تروح وتقولو هاي الطابة إلي بدي طابتي بدون ما نقرّب ونوقّعوا على الأرض ونضايقو هو توجع كثير وكان حابب يلعب معك. هزّ برأسه لتحت وضحك ضحكة بريئة وهو ينظر لي ولعلي وتركني ووجه نظره لعلي وقال له علي صح بدك تلعب معي جول بالطابة، بدّك أقول للبابا يجبلك طابة، وكم كانت فرحة علي: "آه وأنا كمان بدّي ألَعّبك بالجرافة اللّي شرالي إياها البابا وتركاني وذهب الإثنان ليلعبا بالطّابة.

ما أودّ توضيحه من خلال هذا الموقف أنّني حاولت أن أجعل الأطفال يعبّرون عمّا يشعرون به وأنّ ما تشعرون به من غضب أو فرح هو شرعيّ ويمكن التّعبير عنه، إمّا عن طريق لغة الجسم (الغضب والبكاء) أو بالتّعبير الكلاميّ، وأعطيت الفرصة لكلّ طفل للحديث وتوجيه الأسئلة للطّرف الآخر.

وحاولت ألا أقع بالفخّ "إعطاء بديل لعليّ" الّذي يقع به العديد من البالغين بحلّ مثل هذه الشّجارات بين الأطفال الّتي يكون مسبّبها على الأغلب امتلاك وسلب أشياء خاصّة من بعضهم البعض لأنّه وكما نعلم فإنّ الطّفل في هذا الجيل هو في مرحلة الأنويّة وأنّه يريد كل شيء لنفسه ويسمح لنفسه بالحصول على كلّ شيء دون إستئذان وهو غير مستعدّ للتّنازل بسهولة لحاجات ورغبات باقي الأطفال، كما وحاولت توضيح أمر مهمّ للطّفلين وهو احترام رغبة الطّفل الآخر وقراره إذا أراد مشاركته باللّعب أم لا، ولكن هذا لا يعني أن نترك الأطفال هكذا ودون إرشاد وبثّ رسائل واضحة ومباشرة ومتكرّرة والّتي تتطلّب منّا نحن البالغين جهدًا وصبرًا وقوّة تحمّل حتى نستطيع بأساليب متنوّعة ومختلفة توصيل الرّسالة، حتّى يستطيع الطّفل بلورة إدراكها والإقتناع بها وبعدما يبدأ هو باختيار ما يريد ممّا أعطيناه نحن ويقرّر هو تنفيذ الأشياء وتقليدنا واستعمال أسلوبنا بحلّ الخلافات، وعلينا ألاّ ننسى أهمّيّة البيئة فالبيئة لها دور أساسيّ ومهمّ لحلّ الشّجارات بين الأطفال، وعلينا أن نوفّر لأطفالنا بيئة غنّيّة بالمثيرات والأدوات والأمكنة المحبّبة لقلوب الأطفال، حتّى نساهم بتقليل الشّجارات. ما أودّ توضيحه أنّه ليس بكثرة الموادّ أو بتكلفتها الباهظة، لا فنحن نستطيع أن نبني بيئة غنيّة وصحّيّة وثرّيّة من أبسط الموادّ المتواجدة والمتوفّرة في كلّ بيت وبأرخص التّكاليف، ولكن المهمّ أن نعرف كيف نستخدمها وكيف نجعل الأطفال ينجذبون لها ويتمتّعون بها.

فالقصّة ومسرح الدّمى تعتبر من أحبّ وأمتع الفعاليّات على قلوب الأطفال الّتي من خلالها يمكن تمرير رسائل ومفاهيم وعادات عن السّلوكيّات المقبولة والمرغوب بها والتّمرّن على أساليب التّعامل المختلفة مع الشّجارات والصّراعات.

أعزّائي الأهالي، المربّيات وكلّ العاملين والعاملات مع الأطفال، فلندخل أعماق أطفالنا لكيّ ندرك ونعرف ما يجول في أعماقهم ولنعطيهم الفرصة للتّعبير عمّا يشعرون أو يحتاجون إليه، أرجوكم/نّ لا تردّدوا هذا القول الذي أسمعه دائمًا من الأهل والبالغين "ما زالوا أطفال لا يفهمون حديثنا، بلّ على العكس، فالطّفل حتّى من جيل صغير جدًّا يمكن أن يفهم ويستطيع أن يقوم بإنجازات كثيرة الّتي من شأنها أن تفاجئنا نحن البالغين، لذا لنتعامل مع أطفالنا انطلاقًا بإيماننا بأنّهم يفهمون ولديهم القدرات لأن يقوموا بالكثير إذا أعطيناهم/نّ الفرص والدّعم.

أنا أعلم أنّها ليست مهمّة سهلة، إلا أنّها تستحق منّا كلّ جهد. فمهمّتنا أن نوفّر لأطفالنا بيئة صالحة وصحّيّة ومثيرة لنضمن لهم/نّ الإستمراريّة والإنطلاق في هذه الحياة وهم/نّ مسلّحون/ات بأسلحة قوّيّة وفعّالة وسليمة.