صوت لغاتنا

نبيلة اسبانيولي
للطفل "مئة لغة ولغة""، يُسْرََقُ العديد منها خلال مسار نموّه ولا يُسْمَع عن غالبيتها عبر سنوات حياته.
ومن الهم الاحتفاءً بلغات الطفل، وفسح المجال لكل طفل/ة للتعبير عن ذاته/ها وذواته/ها بلغات متنوعة  وهنالك طرق مختلفة لذلك على سبيل المثال مشروع "صوت صورنا" جاءنا من مخيمات الشتات: "شاتيلا"، و"برج البراجنة" في لبنان، حيث وثَّق الأطفال من خلال برنامج الصحفي الصغير حَيوات الناس هناك.  أو مهرجانات الطفولة المنعقدة كل سنة في مركز الطفولة بالناصرة هي فرصة أخرى ليسمع  وضمَّ أطفالنا أصواتهم فيرسموا ويمثّلوا، ويتمتعوا ويصوِّروا ويدهنوا أجمل اللوحات مسمعين أصوات لغاتهم المختلفة.  وعندما يشاركهم الآباء والأمهات، الأخوة والأخوات بهذه الفعاليات فأنهم يعزفون معزوفة مميزة بأصوات متنوعة.
والسؤال الذي نطرحه اليوم:  هل فكَّرتم ذات مرة بأن للطفل مثل هذه اللغات المختلفة؟ هل فكرتم أن غالبية البشر لا تستعمل إلاَّ القليل من هذه اللغات؟ ما هو دور الراشدين والمجتمع في حياة الأطفال؟ هل نسهم بتطوير الطفل ولغاته أَم في قولبة الطفل وتدجينه والوقوف كحجر عثرة أمام تطوره؟
لعل مواجهة مثل هذه الأسئلة هو أمرُ صعب للغاية، لكن المسؤولية بالتأكيد لا يمكن أن تكون فردية، بل أن محاولة الإجابة على هذه الأسئلة يخوضنا إلى أن نتطرق إلى البعد السياسي، فالمسؤولية كبيرة لا يحتملها فرد واحد فقط.. 
لقد أظهرت الأبحاث الأخيرة في العالم أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي أهم مراحل حياته، وخاصة بما يتعلق في نمو ونضج خلايا الدماغ حيث تضع هذه السنوات الأولى من عمره البنية التحتية لكل تعلم وتطور مستقبلي، كما وأظهرت الأبحاث أن غالبية بني البشر لا يستعملون إلا جزءاً قليلاً من القدرات الكامنة فيهم.
لعل القدرة على التعبير عما بداخلنا هي من أهم القدرات التي هيّأت لنا التعبير عن تجاربنا والاعتكاس حولها وبالتالي التعلم منها. 
طوَّر الإنسان في المجتمعات المختلفة رموزاً متنوعة وعبّر عنها بنبرات وأصوات، أحرف وكلمات لتكون لغة متعارف عليها في كل مجتمع، وقد اعتمدت اللغات المختلفة في العالم على نفس المبدأ ونفس المبنى. - نبرة - صوت، حرف، كلمة، جملة، نص.
وأصبحت هذه اللغات متعارف عليها يمكننا تعلّم العديد منها في آنٍ واحد، ولكن ماذا مع اللغات الأخرى؟  فالرسم مثلاً فيه رموز أساسية (أحرف) وتركيبات مبسطة (كلمة) وتركيبات أخرى معقدة (جُمل) لتكون رسمة معبِّرة (صوت) وكل هذه الأمور مجتمعة تثير ردود فعل لدى مشاهدتها.
وهكذا الموسيقى والدراما والنحت والحركة جميعها لغات يشجع المجتمع بعضها ويحدّد الآخر منها.
فإن قام طفل مثلاً بحركة معينة مثل إصدار صوت أو خربشة فإنه سيلقى رد فعل داعم مشجع أو محبط محدِّد.
وبتراكم مثل هذه الردود المجتمعية يتعلم الطفل أن يتوقف عن استعمال بعض لغاته ويتمركز في اللغة المقبولة اجتماعياً والتي تلقى الدعم والتشجيع.
والسؤال المطروح هنا:  ماذا لو فتحنا المجال للتعبيرات الحرة لأطفالنا؟ ربما نتعلم أموراً جديدة عنهم، عن قدراتهم، رغباتهم وميولهم!
ماذا لو استمعنا إلى أصوات صورهم؟ رسوماتهم؟ حركاتهم؟ موسيقاهم؟ ربما سنتعلم أموراً جديدة عنهم وعن أنفسنا؟
ماذا لو فتحنا عيوننا، آذاننا، حواسنا، قلوبنا دون توقّع مسبق؟ ماذا سيحدث لنا لو تعاملنا مع الطفل بانفتاح من غير أن نتوقّع متى سيتكلم؟ أو متى سيضحك؟.. ربما عندها نستطيع أن نستعيد بعضنا من طفولتنا المتعلّمة بشكل مستمر.
ربما نصطدم بالدهشة والتساؤل المستمر عما ينتظرنا؟ وربما سيجعل حيواتنا غنية بالتجارب التعلمية والمتعة غير المحدودة!! ربما!!