كيف يتعلّم الطّفل والطّفلة من اللّعب؟

                                                                نبيلة اسبانيولي                                                                                           

إعتدنا في ثقافتنا التّعامل مع اللّعب وكأنّه مضيعة للوقت، مثلاً عندما نطلب من مجموعة من الرّاشدين أن يُشاركونا بما يتبادر إلى أذهانهم/نّ حول مفهوم اللّعب فإنّنا غالبًا ما نسمع:  متعة، قضاء وقت فراغ، مُشارَكة، مضيعة للوقت، فرح، مرح، وقليلاً ما نسمع "تعلّم وإبداع". فهل اللّعب هو مضيعة للوقت أو أنّه متعة وقضاء وقت فراغ أَم هو أكثر من ذلك؟

تختلف وظائف اللّعب من جيل إلى جيل، لكنّه في جميع الأجيال يشمل هذه الوظائف:  الإبداع، التّعلّم، العمل والمتعة.

المتعة: المتعة عادةً مرافقة للّعب إذ أنّ اللّعب في غالبيّته اختياريّ، حيث يختار الطّفل الأدوار الّتي يرغب بها ويحبّها، وهذه شروط أساسيّة للمتعة، وإنّ التّفاعل بين الأطفال، الأطفال والرّاشدين، الأطفال والمادّة والّتي تحدث في أجواء من الإنطلاق والحرّية، كلّها توفّر العديد من الإمكانيّات للفرد للمتعة.

والمتعة لها عدّة نتائج، أوّلها التّمتع باللّعب والّذي يزيد من دافعيّة الطّفل على تكرار النّشاط والإستكشاف. كما أنّ ردود الفعل الّتي يجدها الفرد خلال اللّعب من الأطفال الآخرين ومن الرّاشدين هو عامل آخر للمتعة.  إنّ المتعة تزيد من الثّقة بالّذات وتساهم في تكوين رؤية ذاتيّة إيجابيّة ورؤية ذاتيّة نقديّة حول ما أستطيع القيام به وما يقوم به الآخرين وكيف يؤثّر نشاطي على الآخرين،..

العمل:  كلّ لعب هو مرافق لعمل ونشاط ما فإنْ ركلتُ الكرة ورميتها  فأنا أقوم بعمل معيّن. وإن لعبت بالمعجونة أو الدّهان، أو الخردوات أو أيّ مادّة أخرى كأنّني أقوم بعمل معيّن. وإن لم ألعب بمادّة إنّما لعبت مع أطفال آخرين أو راشدين آخرين فإنني أيضًا أعمل.

هناك أنواع من العمل والنّشاط، منها:  المخطّط، السّليقيّ العشوائيّ، الوظيفيّ، والموجّه إلى هدف.  إنّ اللّعب مرافق لعمل ما في كلّ الحالات. والعمل ينمّي القدرات والمهارات المتنوّعة الّتي يتدرّب عليها الفرد من خلال اللّعب.

الإبداع: إنّ التّفاعل الحادث بين الفرد والمادّة أو بين الأفراد أنفسهم خلال اللّعب لا يحدث بالطّريقة نفسها. فعندما يلعب الطّفل مثلاً بدهان الأصابع فإنّ طريقة لعبه تختلف باختلاف مستوى نضجه وتجربته مع المادّة وتختلف بكلّ مرّة يتعامل فيها مع المادّة.  وكذلك عندما يتفاعل الطّفل مع أي مادّة أخرى فهو يُبدع طرقًا متنوّعة لتفاعله مع المادّة.

إنّ ردود الفعل الّتي نحصل عليها نتيجة لهذا الإبداع، تساهم في تطوير رؤية ذاتيّة إيجابيّة وتمكّن الطّفل من التّعرف إلى ذاته وإلى الآخرين.

التّعلّم:  كلّ تجربة يمرّ بها الطّفل/ة يمكن أن تصبح تجربة تعلّميّة، فكلّ لعبة هي لعبة تعلّميّة. والتّعلّم عن طريق اللّعب هو شموليّ. فعندما يلعب الطّفل بالرّمل يتعلّم عن ذاته، عن المادّة، ويتعلّم وينمّي مفاهيمًا ويفهم ظواهرًا طبيعيّة. فعندما يسكب الرّمل فإنّه ينزل دائمًا إلى الأسفل- هذه الظّاهرة الطّبيعيّة يمكنها أن تصبح تجربة تعلّميّة حول الجاذبيّة.

تزداد إمكانيّة التّعلم بوجود راشد داعم، وسيط، ميسِّر للتّعلّم.

فعلى الرّغم من أنّ الطّفل يتعلّم بالفطرة، لكنّه ولكي يطوّر التّعلّم الفطريّ إلى تعلّم منهجيّ فإنّه بحاجة لدعم وتدعيم ومرافقة مستمرّة.

وقد ساهم العديد من العلماء في تطوير فهمنا حول نظم تطوير المعرفة منهم: لف فيجوتسكي، جان بياجيه، روفين فورشتين وهورد جاردنر، ممّا أدّى إلى تغيير اهتمام الأطر التّربويّة من الأهداف التّعلّميّة التّلقينيّة إلى أهداف تعلّميّة ذاتيّة ممّا أدّى إلى الإهتمام بـ:

·        تطوير طرق التّفكير لدى الأطفال وتعزيزها لتصبح عمليّة عفويّة دائمة ومستمرّة.

·       تدعيم الأطفال لحلّ المشاكل.

·       تدعيم توجّهات الأطفال لذاتهم كقادرين على حلّ المشاكل، وكمشاركين فعّالين في التّعلّم.

·       تدعيم مهارات الأطفال المختلفة كمهارات الإتّصال.

 

لذا ازداد الإهتمام بتعزيز قدرات عينيّة، مثل:

1)    الإستكشاف المنهجيّ وتبنّي خطوات البحث العلميّ المنهجيّ.

2)    المهارات اللّغويّة.

3)    الثّقة.

4)    القدرة على وصف الوّاقع.

5)    القدرة على إدراك الوّاقع وتحليله.

6)    القدرة على التّعامل مع مصادر معلومات متنوّعة.

7)    القدرة على اختيار المعلومات الملائمة وفصلها عن المعلومات غير الملائمة للمهمّة العينيّة.

8)    القدرة على التّفكير الفرضيّ وفحص البدائل.

9)    القدرة على اتّخاذ القرارات.

10) القدرة على التّخطيط.

11) القدرة على توقّع الأحداث واستخلاص النّتائج.

 

كيف يمكننا تعزيز هذه القدرات من خلال اللّعب؟

اللّعب هو أساس التّعلّم كما ذكرنا وللرّاشد دور أساسيّ في تعزيز التّعلّم.  فمن خلال اللّعب مثلاً يواجه الطّفل/ة إشكالات متعدّدة وتتوفّر أمامه إمكانيّات غير محدّدة لحلّ هذه المشاكل، فعندما لعب سمير بالرّمل وعبَّأ الرّمل في المصفاة ورفعها إلى أعلى تسرّب الرّمل من المصفاة. جرّب من جديد وأعاد التّجربة عدّة مرّات وكانت المربّية الوسيطة تترجم أعماله كلاميَّا.. توجّه إليها وقال: لا أستطيع تعبئة الرّمل، فأكّدت له أنّه قادر وأنّها متأكّدة أنّه يستطيع إذا حاول.  وسألته بماذا يمكن أن نعبّئ الرّمل أيضًا؟ فنظر حوله ووجد الدّلو وأدوات أخرى.. حاول ونجح بملء الدّلو، ورافقته المربّية الوسيطة وبوساطة جيّدة، يمكنها من خلال هذه الوساطة الجيّدة القيام بعدّة وظائف، منها:

1)    تأطير، وبوأرة وإعطاء مردود على تجارب الطّفل/ة.

2)    ربط المعلومات الجديدة مع معارف تعلّمها الطّفل في الماضي.

3)    تقسيم المعلومات إلى أجزاء صغيرة، قابلة للتّعامل ليتمكّن الطّفل من النّجاح ويُدرك ذاته كقادر على التّعلّم.

 

 



[1] نشرت هذه المقالة في نشرة همسة وصل الصادرة عن مشاركة