"هناك حياة داخلية عند الطفل تظهر وتزدهر في الظروف المواتية"

 

                                                     نبيلة اسبانيولي

 

لا يولد الطفل صفحةً بيضاء نخطّ بداخلها ما نريد بل يأتي الطفل الى العالم بسماتٍ شخصيّة تولد معه. فهو يمتلك "حياة داخلية" تعبّر سماتها عن نفسها في مخيلته وإبداعه وفي تعبيره الرمزي ولغته الفطرية ومواهبه المتوارثةتنشط هذه  السمات بشكلٍ تلقائي عندما يحاول الطفل أن يفهم ويتفاعل مع العالم من حوله وتصقل وتغنى عن طريق تجاربه مع ذاته ومع من يحيط به من أهلٍ وأطفالٍ آخرين وبيئة واسعة.

ولذا فللبيئة دور كبير في توفير الظروف المواتية التي تفتح أمام الطفل امكانيات لتطوير قدراته الكامنة هذه والتي عادة ما تكبت من قبل الراشدين حوله.

فمثلاً إن قام الطفل بمحاولة إدخال أمه أو أبيه الى عالمه الخيالي قد يصطدم برفضهم لخياله وحتى الاستهزاء منه ومحاولة تحويل اهتمام الطفل الى ما هو أهم بنظرهم كالتحصيل الدراسي المقتصر على الحفظ والبصم.

ان مثل هذه الممارسات تكبت الابداع لدى الطفل وبالتالي  تعيق تطور حياته الداخلية وتطور قدراتٍ ابداعية خاصة نحن في أمس الحاجة اليها اليوم ونحن في بداية القرن الواحد والعشرينان هذه الممارسات وغيرها كالمقارنة بين الاطفال, عدم الاقرار بالانجازات التي يحققها الطفل, عدم احترام الفوارق الفردية, ممارسة الحماية المفرطة, توجيه الاطفال لقضاء وقت الفراغ بأشكال ثابتة كالتلفزيون وألعاب الحاسوب او الفيديو, كل هذه الممارسات هي ممارسات قامعة للطفل ومعيقة لتطور الحياة الداخلية لديهجميع المواثيق الدولية تعترف بأهمية وحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الالعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة له والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون, ولذا فمن المهم بل انه من واجبنا كراشدين توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة اوقات الفراغ تماماً كما نوفر الفرصة لتطور القدرات الذهنية الكامنةفالطفل ينمو ويتطور ويتعلم بشكل شمولي وفي كل فعالية ونشاط يقوم به الطفل بمبادراته الذاتية تكمن المتعة والتعلم والعمل والابداع.

ونتيجة للمتعة التي يوفرها النشاط للطفل فهو يسعى دائماً الى تكراره وبالتالي يتدرب على اتقان السلوك والقدرات المستخدمة في النشاط فيتعلم خلال ذلك عن المواد التي بين يديه, والامكانيات المتوفرة للتلاعب بها, وعن تفاعلها مع مواد اخرى, ويتعلم عن نفسه وعن قدراته وعن الاخرين وردود فعلهم على نشاطه.

 إن المتعة والتعلم يدفعانه الى العمل والى تطوير ما انتجه خلال نشاطه, ومع توفر الحرية له سيبدع بانتاجه او بسلوكه او بأفكاره ويثري بذلك عالمه الداخلي.

دعمنا للطفل خلال هذا المسار وتوفير بيئة مريحة ومحبة قوامها التفاهم والاحترام في البيت او الحضانة او الروضة هما شرطان اساسيان من أجل اثارة الحياة الداخلية وتنميتها.