الأغاني الفلسطينيّة للتّهاليل والتّرقيص،وتفعيل الأطفال

 

نبيلة اسبانيولي                                 اخصائية نفسية

مديرة مركز الطفولة

 

 

مقدمة لكتاب من النّقب لِبيسان

تعاني مكتبتنا الموسيقيّة الحديثة من فقر الأغنيةللطّفل/ةخاصّة في سنواته الأولى.  وقد تجمّع لدينا،ومن خلال سنوات عملنا، العديد من الموارد الموثّقةللموروث الثّقافيّ الغنيّ لأطفالنا مِنْ أغاني تهاليلوترقيص وتفعيل لهم/نّوقد ارتأينا أهمّيّة تعميمبعض هذه الأغاني وملاءمتها لأطفالنا في الأجيالالغضّة، الولادة – 3 سنوات، لما في ذلك من أثر فيإعادة الثّقة بموروثنا الثّقافيّ الغنيّ وتملّكه مِنْ الأهلوالمربّين/ات، والتّعامل النّقديّ معه لما فيه منمصلحة لأطفالنا وطفلاتنا بنهج يدمج بين الأصالةوالتّحديث.

تابعنا بقلَق ما يمارَس في الواقع من سياسة تفسيخوشرذمة لشعبنا الفلسطينيّ على مرّ سنوات طويلةوسياسة طمس الهويّة الفلسطينيّة، ولحظنا فيالسّنوات الأخيرة أثر هذا على مجتمعنا؛ إذ أنّ العديدمن الأزواج الشّابّة لم تنكشف على موروثنا الثّقافيّالغنيّ المرتبط بالطّفولة، ممّا قد يهدّد هذا الموروث بالاندثار، كما وأنّ عدم الحراك فيهمن شأنه أن يُبقيهذا الموروث كوثائق على رفوف مراكز الأبحاثوحفظ التّراثإنّ تجربتنا في الدّمج بين الأصالةوالتّحديث من خلال مشاريع، مثلمكاغاة، أناوأكلاتي، نباتات بلادي بين الجبل والوادي، وتجاربناجحة أخرى بالنّهج نفسه مثلكاسيتات ريم بنّاوكاسيت مرحي الصّادر عن مركز مصادر الطّفولة-القدسهذه التّجارب كلّها تدفعنا للمواصلة، لذا فإنّهمن المهمّ تدعيم الموروث الثّقافيّ وتحديث استخدامهلدى الجميعخاصّة الجيل الشّابّ من الأهالي.

لقد وجدنا في المكتبة العديد من الموارد الّتي وثّقتبعضًا من موروثنا الثّقافيّ، لكن غالبًا ما اعتمدالتّوثيق على جمع التّهاليل وليس جمع الموروث الغنيّمن أغاني ترقيص وألعابوفي الغالب، تمّ اعتمادمنطقة دون أخرى من مناطق فلسطين ولم تُدمجسويّة.  لهذا فقد اعتمدنا في هذه التّجربة على جمعالتّوثيقات منالنّاصرة، يافا، عكّا، النّقب، المثلّث،لكن لم يكن هدفنا إجراء بحث ميدانيّ شامل، بلّْتجربة للتّجميع أوّلاً ومن ثمّ لتحديث جزء قليل ممّاجُمع ليلحَّن ويغنّيه فنّانون وفنّانات محلّيّين.

 

إذًا فإنّ هدفنا الرّئيسيّ هو تطوير موارد تعتمدالأصالة والتّحديث، تضمن الحراك المفقود فيموروثنا الثّقافيّ وتعيد الثّقة فيه، ممّا يعزّز هويّتناوهويّة أطفالنا بتلاؤم مع ما تراكم من معارفناالتّربويّة والنّفسيّةأمّا أهدافنا العينيّة فهي:

1) تعزيز هويّة الطّفل/ة الفلسطينيّ/ة.

2) تدعيم الأهل لاستخدام الموروث الثّقافيّ في تربيةأطفالهم/نّوتعزيز التّواصل بين الأهل والأطفال.

3) تعزيز التّواصل بين أجزاء الوطن المشرذم.

4) تعزيز الهويّة الجماعيّة.

5) إعادة الثّقة بالموروث الثّقافيّ وتطويره

 

وقد عملنا في  مركز الطّفولة بشراكة مع·:

1) جمعيّة النّساء العكّيّات كمركز تربويّ متخصّصبالطّفولة.

2) رابطة عرب يافا، وهي جمعيّة وطنيّة فاعلة فييافا، تعمل في مجال التّنمية المجتمعيّة والطّفولة.

3) أجيك– مركز يعمل في النّقب على تطوير الطّفولةوالمجتمع أيضًا.

5) دار الطّفل العربيّ، المثلّث الشّماليّعرعرة.

 

عندما بدأنا في مسيرة هذا المشروع لم نتوقّع أن نجدالكثير من الجديد، فقد اعتقدنا بأنّ غالبيّة الموادأصبحت موثّقة ومدوّنة من خلال المجهود الرّائعالّذي قدّمته جمعيّة إنعاش الأسرة في البيرة حولالطّفولة المبكرة، ومن خلال مجهودات فرديّةككتابالأخت نائلة عزّام لبّس والّتي قدّمت كتاب "يا ستّيويا ستّيوقد شمل أيضًا بعض ما وثّقناه في مركزالطّفولة في حينه.  وكذلك من خلال تجربتناالمتواضعة في مركز الطّفولة والّتي تُوّجت بإصدارمكاغاة – يوميّات الطّفل في عامه الأوّل، من إعداددحنان كركبي جرايسي والكاسيت المرافق لهبصوت الفنّانة ريم بنّا، والّذي تَرجم في حينه نهجناالّذي ما زلنا نعتز به ونسعى لتطويره وهو نهجالأصالة والتّحديث الّذي اعتمدناه آنذاك ونعتمده فيهذا المشروع أيضًا.

واليوم، نضع بين أيديكم هذا الكتيّب والكتاب التّوثيقيّ.ونحن نعي أهمّيّة هذا المجهود وما يحمل في طيّاتهمن مدلولات، أهمّها الموروث الجمعيّ الّذي وجدناهفي المناطق الثّلاث الأساسيّة، الّتي أجرينا فيها البحثالميدانيّ·، وهيالمثلّث والنّقب والشّمالفقدتشابكت كلمات الأغنيات المستخدمةعلى الرّغم مناختلاف اللهجات، كما تكرّرت المناسبات والطّقوسالّتي تُرجِمت إلى أغانٍ في المناطق المختلفة، دون أنتتجاهل الخصوصيّات للمنطقة أو للمجموعات الدّينيّةبينناأيّْ أنّ موروثنا الثّقافيّ جاء تعدّديًّا يحتفي بمايجمعنا ويحترم اختلافاتناوهذا موضوع جديربالبحث بشكل معمّق، الأمر الّذي لا ندّعي أنّنا قمنا بههنا ولكنّ الموادّ جميعها موثّقة في مركز الطّفولة.ونقدّمها بسرور لمن يرغب بالتّعمّق بها وتحليلالمدلولات المختلفة الّتي تحتويها.

هذا الكتاب يُظهر أيضًا أنّ الموروث الغنيّ للشّعبالفلسطينيّ ما زال مستخدمًا في المناطق المختلفة،رغم محاولات الشّرذمة والتّفكيك والفصل بين أبناءالشّعب الواحد.

 

الطّقوس

يولي علم النّفس الحديث أهمّيّة كبيرة للطّقوس فيحياة الأطفال والطّفلات، ويعتبرها الوسيلة الأولىلضمان الثّبات والنّظام في حياة الطّفل/ةوالثّباتوالنّظام هما حاجتان أساسيّتان مهمّتان جدًّا لنموّالطّفل/ة وتطوّره/اويوصي باتّباع روتين ثابت معالطّفل/ة من يومه/ا الأوّل ليستطيع/تستطيع من ذلكالحين مشاركتنا في حياته/افالطّفل الّذي يعتاد علىالحمّام في السّاعة السّابعة مساءً من كلّ يوم، ثمّ يُدلَّكويرتدي منامته ويوضع في سريره، فإنّ ذلك سيغدومن روتينه اليوميّ، طبعًا هذا لا يعني أنّه لن يجدصعوبات في النّوم أحيانًا، لكنّه سيكون أكثر قدرةعلى التّعبير عن هذه الصّعوبات، لأنّه يعلم بأنّه عندمايفتح والده صنبور الماء ليملأ حوض حمّامه الصّغيرفإنّ الموعد قد حان.  يحتاج المولود إلى وقت للتّأقلمفي حياته الجديدة خارج رحم أمّهونحن نعتبرالطّقوس المرافقة له خلال النّهار عاملاً مهمًّا لتأقلمه.

وضوح الطّقوس وثباتها يوفّر الثّبات والنّظاموالشّعور بالأمان لدى الطّفل والطّفلةلكنْ لكلّ طفلوتيرته الخاصّة وشخصيّته، ونحن نحتاج للتّعاملمعها وفق ذلكثبات الطّقوس يفسح المجال للطّفلللتّعبير عن حاجاته خلال النّهار، فهو يعي ويدركقربنا منه ويتوقَّع ماذا سيحدث ويستطيع  الاتّصال بناكيّْ يعبّر عن حاجاته الخاصّة.

طقس النّوم يتغيّر مع تطوّر الطّفل والطّفلة، لكنّالطّقوس بتنوّعها تظلّ مهمّة حتّى للأطفال الكبار،ولو كانوا قادرين على التّعبير عن إرادتهم بطرقمباشرةمن المهمّ أن نحافظ على هذا الوقت الّذينقضيه في هذه الطّقوس مع الأطفال كأوقات نوعيّةمميّزة، نولي فيها اهتمامنا الخاصّ بالفرد نفسه؛ إنّهالوقت الّذي نتواصل فيه مع طفلنا وطفلتنا دونالانشغال بقراءة الجريدة أو الغسيل أو المطالعة، إنّهالوقت الّذي نصغي فيه للطّفل دون أن نتابع ما يحدثعلى شاشة التّلفازإنّه وقت نوعيّ مهمّ جدًّا في حياتناوحيوات أطفالنا وطفلاتناهنالك طقوس جماعيّةمهمّة أيضًا.

لقد وعت جدّاتنا هذا الأمر بشكل سليقيّ، وخصّصنالأغاني والألعاب لكلّ طقس تقريبًا ولكلّ مناسبة فيمسار الحياةلذا فإنّنا لا زلنا نغرف من هذاالموروث، على الرّغم من اندثار الكثير من مركّباتهبسبب التّغيير الحاصل في حياتنا وفي قيَمناومعتقداتنا، وهذا أمر جدير بالدّراسة أيضًا.

 

الأغنية:

هي مظهر من المظاهر الموسيقيّة الّتي تعتمد عادةًعلى الشّعرهناك عدّة أنواع من أغاني الأطفال،يرتبط بعضها بعمر الطّفل/ة، وبعضها الآخربالطّبيعة أو البيئة الّتي يعيشتعيش فيها، أو بتجاربحياتيّة يمر بها الطّفل والطّفلة.  

 

أهداف أغنية الأطفال:

هنالك عدّة أهداف لأغنية الطّفل/ةوتختلف الأهدافما بين أهداف لدى الطّفل/ة، الأهل، المربّينوالمربّيات (التّربويّين/ات)، لدى المعالجين/اتالنّفسيّين/ات، وكلاء التّنشئة الثّقافيّة، أو لدىالمتخصّصين/ات في تنمية لغة الطّفل/ة.  ومن بين هذه الأهداف:

1.    توفير متعة وترفيه للطّفل/ة وإدخال السّرور علىحياته/ا.

2.    وسيلة للتّعبير عن انفعالات الطّفل/ة أو عن انفعالاتوالده ووالدته أو جدّته وجدّه.

3.    مساهمة في تطوير القدرات الفونولوجيّة (وظائفالأصوات اللغويّةالمهمّة، ليس فقط للتّربيةالموسيقيّةبلّْ لتعلّم اللغة ولتنمية الطّفل/ة ومجالاتنموه/ا المختلفة

4.    وسيلة للرّقيّ بحسّ الطّفل/ة الفنّيّ وذوقه/ا الأدبيّ.

5.    وسيلة لنموّ الطّفل/ة وتكوين اتّجاهاته/ا وقِيمه/ا ومُثله/ا العليا.

6.    تعزيز الرّؤية الذّاتيّة الإيجابية لدى الطّفل/ة، خاصّةعندما يدركتدرك قدرته/ا على استعمال صوته/امنغّمًا.

7.    المساعدة في النّوم الهادئ والشّعور بالأمان في حضنالأمّ أو قربها.

8.    وسيلة تربويّة مهمّة.

9.    وسيلة علاجيّةخاصّة لدى الأجيال الغضّة.

 

"أغاني المهد والهدهدة":

لقد غنّى الشّعب الفلسطينيّخاصّة النّساءفي كلّمناسبة حياتيّةفإن توجّعت المرأة غنّت وإن فرحتغنّت، وإن غضبت غنّت، وإن أنجبت غنّت لهاالنّساء.  تنوعّت الأغاني وتعدّدت ألحانها؛ تغنّي الأمّلأطفالها الصّغار، فيطرق الغناء آذان الصّغار منذ أيّامالمهد الأولى، فينصت الأطفال إلى أصوات الأمّهاتاللاتي يغنيّن أغنيات ذات إيقاع رتيب في الغالبلتهدئة الطّفل/ة، وبثّ الطّمأنينة في نفسه/ة، ليخلد/تخلد إلى النّوم الهادئ السّعيدوالأطفال في هذا العمر(0-3 سنواتيميلون إلى الإيقاع الّذي يجعلهم يكفّونعن البكاء ويهدأون، فيستسلمون لنوم عميق، حيثتأخذ الأمّ بالتّربيت على ظهر طفلها برقّةأو هزّ مهدهذات اليمين وذات الشّمال في إيقاعات غنائيّةمتكرّرة·.                      

وهذا النّوع من الغناء يشيع في جميع بلدان العالم،ويتناول أقاصيص شعريّة قصيرة منغّمة أو مجرّدتصويت لحنيّ.  ويحفل تراثنا الشّعبيّ (الفلسطينيّ)بوافر من هذه الأغنيات الّتي تتناول:

1.    النّوم والهدهدة.

2.    المرجوحة.

3.    الحمّام.

4.    تسريح شعر الطّفل/ة.

5.    طهوره.

6.    إستقبال الطّفل الذّكر/الأنثى.

7.    مشي الطّفل/ة.

8.    ترقيص الطّفل و"التّشتشة".

9.    مداعبة الطّفل بالهودبع.

10.         ألعاب أو أغنيات لملاعبة الأطفال.

وقد اخترنا بعض هذه الأغاني، وقام بتلحينها الفنّانحبيب شحادة حنّا، وغنّتها  الفنّانتان رنا خوريأطرش وتريز سليمان، بعد أن تمّ تحديث بعضهالتتلاءم مع رؤيتنا التّربويّة وقِيَمنا، وفي الكتاب الأوّلنقدّم هذه الأغانيأمّا في الكتاب الثّاني فنستعرضنماذج ممّا تجمّع لدينا من أغاني المناسبات المختلفةومن ألعاب.  بعد أن فحصنا مدى توفّر النّماذجالمذكورة أعلاه في الحقل، أو إن كانت هنالك بعضالنّماذج الإضافيّة الّتي علينا أن نضيفها لما هوموجودنقدّم ما نعرضه هنا وفق مراحل استخدامهافي حياة الطّفل/ة.  عند اختيارنا للنّماذج، لم ندرج تلكالّتي تحتوي على معتقدات تتعارض مع المعرفةالعلميّة المتعلّقة بالطّفولة أو الّتي تحتوي على معتقداتغير تربويّة.

غالبيّة النّماذج وصلت إلينا بصيغة المذكّر، والقليلمنها وصل إلينا بصيغة المؤنّثوقد قدّمنا النّماذجبالصّيغة اللغويّة الّتي جُمعت بها، لكنّنا نحثّ الأهل(الأمّ، الأبّ، الجدّ، الجدّةوكلّ مَنْ يعتني بالطّفلوالطّفلة على استخدامها معهما، بعد إجراء التّعديلالمناسب على الصّيغة اللغويّة لتناسب طفلكمطفلتكموطفلكنّطفلتكنّ.

 

 

 

·  ملحق رقم 1 يقدّم نبذة مختصرة عن المؤسّسات الشّريكة.

·  ركزت المشروع الأخت ماجدة زريق عيلبوني، ورافقت الجمع من حيثتدريب الجامعات وتقديم الإرشاد الدّكتورة  حنان كركبي جرايسي.

·  دهدى قناوي، أدب الأطفال، مركز التّنمية البشريّة 1990، ص97.