الإستراتيجيّات لتحسين جودة التّعلّم والتّعليم الفلسطينيّ في الطّفولة المبكرة.

 

مقدّمة

التّحدّي الأساس في استعراض الإستراتيجيّات أمام تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة[1] الفلسطينيّة يكمن في تبنّي استراتيجيّات مختلفة متلائمة مع واقع الطّفولة المبكرة في الأماكن المتنوّعة الّتي يتواجد بها الفلسطينيّون/ات.

ففي ظلّ شرذمة شعبنا في المناطق المختلفة نتيجة لنكبتنا، وفي ظلّ الشّرذمة الحاليّة  الحاصلة في داخل كلّ منطقة من المناطق نتيجة للأوضاع السّياسيّة والإجتماعيّة وصعوبة التّواصل وانعدامه،                        من الضّروريّ  تبنّي استراتيجيّات متنوّعة. 

 

لكنّ تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة لا بدّ أن تكون ضمن أولويّاتنا، إذ أنّ السّنوات الأولى من عمر الطّفل/ة أساسيّة في بلورة شخصيّة الفرد. ونحن نرى أنّ موضوع تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة[2] يولى اهتمامًا كبيرًا في العالم، إذ أظهرت الأبحاث الفائدة الكبيرة الكامنة في تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة للمجتمع بشكل عامّ.  وتُعَدّ السّنوات الأولى من عمر الطّفل/ة من أهمّ المراحل العمريّة، خاصّة الأبحاث الأخيرة عن تطوّر الدّماغ.

نشهد في السّنوات الأخيرة تطوّرًا في هذا المجال، فقد ازداد الإهتمام بالطّفل والطّفولة بشكل عامّ، وزاد الوعي لأهمّيّة السّنوات الأولى من عمر الطّفل والطّفلة.  وعلى الرّغم من هذا التّحسّن، لا زال أطفالنا يعانون من نقص صارخ في الخدمات والإمكانيّات المقدّمة لهم ولهنّ.  وما زالت المربّيات بحاجة ماسّة إلى برامج عمل وبرامج داعمة  باللّغة العربيّة، وما زال الأهالي يواجهون تحدّيات جمّة.

 

 

قبل الخوض في الإستراتيجيّات، من المهمّ الإشارة إلى أنّ نقطة انطلاقنا في هذه الورقة- تعتمد النّهج الشّموليّ[3] التّكامليّ[4] ومبادءه. وهو نهج في رعاية وتنمية الطّفولة المبكرة، تطوَّر عبر مسار تشاركيّ جمعيّ في العالم العربيّ.  ويرى النّهج الشّموليّ التّكامليّ أنّ كلّ الأطفال عندهم حاجات متنوّعة ومترابطة، تتطلّب أن تنعكس في خدمات مرنة ومتكاملة ويمكن تحمّل تكاليفها.

 

يبنى النّهج الشّموليّ التّكامليّ  على "إطار مبادئ خاصّة" برعاية وتنمية الطّفولة المبكرة. وتقسم الى ثلاث مبادئ[5] مؤسِّسة لهذا النّهج هي:

*الطّفل كيان واحد موحّد، مهمّ بكافّة جوانبه، حيث يتأثّر كلّ جانب بالجوانب الأخرى ويؤثّر فيها و نظرته شموليّة. وهو لا يميّز بين فروع المعرفة المختلفة، بلّ يتعلّم بشكل متكامل

*الطفولة مرحلة عمريّة قائمة ومتكاملة في حدّ ذاتها ومن حقّ الطّفل وحاجته أن يحياها بكاملها.

*يحدث النّموّ في "خطوات متسلسلة" تتخلّلها فترات تكون جاهزيّة الطّفل/ة للتّعلّم في أوجها.

 

النّهج الشّموليّ التّكامليّ يدفع باتّجاه تأسيس نهج حقوقيّ في العمل في مجال الطّفولة المبكرة، ويدعم استخدام استراتيجيّات ملائمة في إطار التّقاليد الثّقافيّة المحلّيّة.  يمكننا استخدام المبادئ في تطوير استراتيجيّات وتوليد مؤشّرات تُستعمل في مراجعة الممارسات الرّاهنة والبرامج والسّياسات.

 

 

الإستراتيجيّات المقترحة:

إستراتيجيّات لتعزيز التّعامل الشّموليّ التّكامليّ مع تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة:

 

ما زالت النّظرة إلى الطّفولة المبكرة نظرة تنطلق من منظور تربويّ (تعليميّ). وهذه النّظرة تفرض تعاملاً أحاديّ الجانب متمركزًا في التّربية، وعلى وجه التّحديد في الإطار التّربويّ الرّسميّ.

نحن بحاجة إلى تبنّي استراتيجيّات توسّع المفهوم ليصبح منظورًا شموليًّا تكامليًّا يشمل كلّ مجالات النّموّ، ويسعى للتّكامل بين جميع المكونات المؤثّرة في مسيرة التّطوّر والنّموّ في الطّفولة المبكرة.

فكما هو معروف فإنّ مجالات النّموّ المختلفة متأثّرة بعضها ببعض، ولا يمكننا التّركيز على جانب واحد دون الإلتفات إلى الجوانب المؤثّرة والمتأثّرة به. فلا يمكننا تعزيز قدرات ومهارات الطّفل التّفكيريّة دون الإلتفات إلى حالته العاطفيّة والمجتمعيّة والبيئيّة؛ فأن يكون طفل مريضًا أو جائعًا او متألّمًا أو غير مرتاح، سيؤثّر حتمًا على قدراته على التّفاعل والتّعلّم والنّموّ.  كما وإنّ التّنمية والرّعاية تبدأ مع تكوّن الطّفل/ة، بلّ قبل ذلك بكثير (على سبيل المثال لا الحصر نعرف اليوم أهمّيّة تحضير المرأة للحمل من ناحية جسمانيّة وذهنيّة وعاطفيّة نفسيّة).

                                                                       

وإدراك هذا الأمر والتّفكير في طرق للتّعامل معه، يتطلّب تغييرات على المستويات المختلفة:

فقد يتطلب ذلك إعادة التّفكير في البنية القائمة اليوم لرعاية وتنمية الطّفولة المبكرة والّتي تنقسم بين الوزارات المختلفة دون تنسيق بينها.

إنّ إعادة النّظر في ذلك، من شأنه أن يؤثّر في  وزارة واحدة لأن تهتمّ بالطّفولة أو إلى أقسام مختلفة ضمن الوزارات لتنسّق فيما بينها.

وعليه فإنّ تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة ليست محورًا منفصلاً عن المحاور الثّلاثة الّتي قررت "التّعاون" تبنّيها من أجل تحقيق هدفها في تحسين نوعيّة التّعليم والتّعلم، ورفع جودة التّعليم وتوسيع نطاق أثره،  بلّ هي جزء مهمّ في المحاور الثّلاثة:

فلا يمكننا التّطرّق إلى تنمية القدرات البشريّة  دون الإهتمام بالقدرات البشريّة الّتي تعمل وتعيش مع الطّفل/ة.

ولا يمكننا تطوير العمليّات التّعلميّة دون الإهتمام بالطّفولة المبكرة فالسّنوات الثّلاث الأولى هي الأساس في تطوّر الدّماغ وفي تعزيز قدرات وبلورة مهارات أساسيّة للتّعلّم.

أمّا القدس فحدِّث ولا حرج.

 

لذا فإنّ الإستراتيجيّات المقترحة هنا، هي:

·             تبنّي النّهج الشّموليّ التّكامليّ في التّعامل مع تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة وبلورة تخطيط عمليّ محلّيّ  لتنمية كوادر بشريّة ولتحسين نوعيّة التّعلّم والتّعليم، ورفع جودة التّعليم والتّعلّم في الطّفولة المبكرة  وتوسيع نطاق أثره. وذلك من خلال تبنّي النّهج التّشاوريّ الّذي بدأت به "التّعاون" على المستوى الإقليميّ، وتعميق هذا النّهج على المستويات المحلّيّة ليشمل جميع الجمعيّات الفاعلة في تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة.

·             دعم ملتقيات إقليميّة تعمّق التّعلّم المشترك وتعزِّز القدرات المحلّيّة.

·             دعم التّشارك في الموارد النّوعيّة الّتي تطوّرت عبر سنوات العمل لتعزيز البنية التّحتيّة الدّاعمة من حيث الموارد والمشاريع والخدمات الدّاعمة للمربّية في عملها. بناء قاعدة بيانات ترصد ما يطوَّر في المناطق المختلفة، تراجعه، تقيّمه وتعمم النّوعيّ منه حسب معايير نوعيّة مهنيّة.

·             التّركيز على نوعيّة التّأهيل المتّبع في المؤسّسات المختلفة ومدى ملاءمته للمعارف المتوفّرة حول الطّفولة المبكرة.

·             زيادة العمل على الموضوع واستحداث تخصّصات نوعيّة في الجامعات متعلّقة بالطّفولة المبكرة.  كذلك هنالك اهتمام في توسيع التّخصّصات والمهنيّة، كتقديم منح لطالبات للدّرجة الثّانية (اللّقب الثّاني) في الطّفولة المبكرة. وتأهيل قوى بشريّة داعمة للمربّية في عملها والإهتمام بكوادر إضافيّة، مثل مرشدات تربويّات، مستشارات متخصّصات بالطّفولة، إختصاصيّين/ات نفسيّين/ات  ومتخصّصين/ات في مجالات الإثراء المختلفة.

·             دعم مشاريع تتعلّق يالإرشاد وتضمن التّعلّم المستمرّ: العمل مع الأطفال يفرز تحدّيات جمّة وإمكانيّات عديدة للتّعلّم. ومن المعروف أنّ إحدى أهمّ الوسائل لاستمرار التّعلّم في الحقل، هو الإرشاد. وهذا الأمر يفرز تحدّيات عديدة على مستوى الميزانيّات، وكذلك على المستوى المجتمعيّ. ونحن بحاجة للبحث عن طرق لوضع الموضوع على بساط البحث،  ويرتبط بذلك الإستكمالات ومدى ملاءمتها مع حاجة المربّيات.

·             دعم المبادرات المبدعة والّتي تتطوّر في الحقل لإيجاد حلول خلاّقة للمشاكل الحارقة من حيث:

o       فقر المباني  والميزانيّات في أطر الطّفولة المبكرة الفلسطينيّة.

o       التّمييز اللاّحق بأطفالنا في جميع المجالات.

o       دعم المبادرات التّربويّة الّتي تحاول تطوير بنية بديلة للأطر الرّسميّة بشكل كافٍ ومستديم.

 

 

إستراتيجيّات لتسهيل التّعلّم

 

مجموع ما تجمّع لدينا من معارف عن الطّفل وتعلمه، تشير إلى أهمّيّة تبنّي استراتيجيّات تعليميّة تسنح الفرصة لتعزيز تعلّم الطّفل. فالطّفل كما سبق ذكره كيان واحد موّحد  ونظرته شموليّة، فهو لا يميّز بين فروع المعرفة المختلفة، بلّ يتعلّم بشكل متكامل,  كما وإنّه متعلّم بالفطرة، يتعلّم من تجاربه ومن معايشته للظّروف المختلفة الّتي تحيطه. وللبيئة والرّاشد دور أساس ليس في تعليمه، بلّ في تيسير وتسهيل تعلّمه.

نشهد في مجتمعنا في السّنوات الأخيرة، بدايات إيجابيّة للإهتمام في مجال التّربية في جيل الطّفولة المبكرة وازدياد الوعي بأهمّيّة مؤسّسات التّربية. ولكن ما تزال برامج الرّوضات المختلفة متأثّرة جدًّا بالبرامج الّتي أُعِدّت في الماضي لبساتين الأطفال،  فما زال العديد من المربّيات ينتهجن نهج المواضيع الشّاملة الّذي "أكل عليه الدّهر وشرب".  وفي كثير من الأحيان ما زلنا نجد توجّهًا تّعليميًّا، ملقِّنًا غير متلائم مع احتياجات ومميّزات نموّ الطّفل والطّفلة لدى المربّيات، على الرّغم من تأهيلهنّ كمربّيات وفهمهنّ لمراحل النّموّ ومميّزاته. وقلّة هنّ المربّيات اللاّتي ينجحن في تطوير مواضيع من خلال حاجات الطّفل وبيئته القريبة. ولذا نحن نرى أهمّيّة العمل على تطوير الرّؤية الشّمولية التّكامليّة الدّمجية لدى المربّيات وذلك بشكل منهجيّ.

 

 

لذا فنحن بحاجة إلى:

o       التّنسيق بين مؤسّسات المجتمع المدنيّ والمهنيّين/ات من أجل رصد الإحتياجات في هذا المجال وتطوير الموارد الملائمة.

o        تطوير وتعميم برامج إثراء، إذ تفتقر غالبيّة روضاتنا لبرامج الإثراء.

o       تبنّي استراتيجيّات متنوّعة لتيسير الإنتقال من "التّعليم الرّسميّ" باتّجاه "تسهيل التّعلّم". ويساهم هذا الإنتقال في "تمكين" الممارسين والوالدين والأطفال، وزيادة قدراتهم، وذلك من خلال تحدّي البنى التّراتبيّة التّقليديّة وتعزيز الشّراكات في بلورة فكر تربويّ وتعزيز التّدريب التّشاركيّ وفي تطوير البرامج وحملات المناداة في تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة.

 

 

 

 

 

تيسير بلورة فكر تربويّ عربيّ (فلسطينيّ):      

 

"الحضارة أرحام الفكر التّربويّ. والفكر التّربويّ هو أداة الحضارة ووسيلتها في تخليد ذاتها وضمان انسيابها وتناقلها عبر الأجيال. فبمحض أن تعي حضارة ما ذاتها، تحرص على حماية تلك الذّات"[6] و"عندما يقع هذا الوعي، يتولّد التّفكير بالتّربية، ويولد معه القلق الخلاّق على التِماس خير الوسائل وأجْداها في حفظ (تطوير) الذّات الحضاريّة، أيّ يبدأ التّفكير في التّربية".

نحن بحاجة إلى تعميق الفكر التّربويّ التّنمويّ المتلائم مع التّحدّيات الّتي يفرزها القرن الواحد والعشرون، فلا يمكننا الإستمرار باعتبار التّربية ترويضًا (كما يعتقد البعض الّذين يؤمنون أنّ في الإنسان نزعات سلبيّة يجب تنقيته منها. فللرّاشد، حسب هذا الفكر، السّلطة الكاملة في إعادة تنظيم سلوك الفرد دون الإعتراف بطبيعة المتعلّم وما تحمله من خصائص واحتياجات). أو تشكيلاً  (يرى الإنسان خامة، يمكن تشكيلها من خلال التّحكم بالعوامل المحيطة به). بلّ إنّ التّحدّي هو برؤية التّربية كتنمية، إذ أنّ الإنسان (الطّفل/ة) مجهَّز بقدرات فطريّة وبإمكانات متعدّدة تتفتّح بفعل الطّبيعة وتتبلور بفعل تفاعله مع بيئته، وتيسير ذلك يتمّ عبر:

·        التّعمّق في الفكر التّربويّ العربيّ والإرتكاز على بعض المساهمات المبكرة الّتي تبنّت فكر وممارسات تربويّة مشاركة.

·        تشجيع التّعلّم  كنهج في المؤسّسات وفي المجتمع والبحث عن تجارب رائدة في الحقل والّتي تُبنى على تمكين طاقم العاملين/ات مع الأطفال، وتمكين الأطفال والأهل لاستخدام قدراتهم وتوظيفها لخلق ظروف أفضل للأطفال.

·        تعزيز التّدريب التّشاركيّ الّذي يُبنى على خبرات النّاس المشاركين والمشاركات ويدعمهم في مسارات التّفكير الجمعيّ (حوار، تحليل، إستشفاف واستنتاج) وهي إحدى الإستراتيجيّات لتوليد المعرفة أو بلورتها.

·        تشجيع الكتابة والتّوثيق للخبرات المتميّزة الّتي تتبنّى النّهج الشّمولي التّكامليّ وتترجمها في الميدان.

·        فتح إمكانيّات للحوار التّربويّ من خلال الملتقيات، النّشرات،..

·        دعم تربويّين/ات في نشر وتعميم إصداراتهم/نّ.

·        تعزيز مهارات التّفكير النّقديّ وتعزيز النّقد البنّاء وفتح المجالات للحوار وتبادل الأفكار.

 

يعتبر موروثنا الثّقافيّ والحضاريّ غنيًّا بالمعارف والمعتقدات والممارسات الإيجابيّة والسّلبيّة. بعض هذا الموروث ما زال يستخدم كما هو والبعض الآخر منه تمّ تحديثه ومركّبات أخرى منه اندثرت؛ قام البعض بتوثيق هذا الموروث وقام آخرون بتحديث بعض مركّباته.  وتعامل أخرون مع الموروث بشكل نقديّ وعزّزوا بعضه من خلال تحليله وإضفاء الشّرعيّة العلميّة إليه (نهج تحديثيّ يجمع ما بين المعارف الموروثة والمعارف العلميّة، يعيد الثّقة بهذا الموروث ويتعامل معه بشكل نقديّ)، كما واقترحوا تغيير بعضه أو عدم استخدامه. 

 

أقترِح هنا دعم هذه الإستراتيجيّة الدّامجة ما بين الأصالة والتّحديث، ليس بهدف تثبيت ما هو قائم بلّ لاعتقادي بأنّ التّعامل النّقديّ مع هذا الموروث هو تجربة مدعّمة تعيد الثّقة بأنفسنا وبجذورنا وتؤسّس بالوقت نفسه للإنطلاق لتوليد معارف جديدة.  إذ أنّ الإستعمار الثّقافيّ  ساهم في تعزيز غربة "المتخصّصين/ات" عن ثقافتهم والتّبنّي "شبه الأعمى" لكلّ ما يأتي من غيرنا.

إنّ سيكولوجيّة الإنسان المقهور، الّتي تجذّرت في مجتمعاتنا، تحتاج إلى انعتاق ونهج تحرّريّ. والنّهج التّحرّري هو الإستراتيجيّة المطلوبة هنا.  ومن أجل الوصول إلى ذلك، يمكننا:

·        إعادة الثّقة بقدراتنا وتعزيز الفكر النّقديّ التّحرّريّ.

·        مشاركة مجموعة متنوّعة من الأشخاص والهيئات في تطوير الموارد والبرامج الخاصّة برعاية وتنمية الطّفولة المبكرة.

·        تشجيع الكتابة والتّوثيق للخبرات المتميّزة الّتى تتبنّى النّهج الشّموليّ التّكامليّ، وتبني على الموروث الغنيّ وتعمل على تحديثه.

 

 

 

إستراتيجيّات لتعزيز المشاركة المجتمعيّة في تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة

تربية الطّفل هي تفاعل ما بين الطّفل و بيئته، بما في ذلك وبشكل خاصّ، النّاس الآخرين، الموادّ المتوفّرة في البيئة والمعرفة. تفاعل الطّفل مع الأشخاص (كبارًا وصغارًا) يحفّز عمليّة التّعلّم عنده وينشّطها ويشجّعها ويدعمها.  ولذا فمن المهم تثمين واحترام دور الوالدين  وأفراد الأسرة الموسّعة في إثراء بيئة الطّفل/ة  وتنمية هويّة الطّفل الثّقافيّة ولغته الأمّ، وقِيمه الخاصّة والّتي نعتبرها مهمّة لنموّه السّويّ والمتكامل.

 

يتمّ توزيع العمل في مجتمعنا على جميع أفراد العائلة، وتعتبر جميع المسؤوليّات جماعيّة مشتركة، بما في ذلك تربية الأطفال الّتي لم تقتصر على العائلة النّواة فقط كباقي المسؤوليّات العائليّة، بلّ يشارك فيها بشكل فعّال: الجدّ والجدّة، العمّ والعمّة،.. وما زالت العائلة الموسّعة تلعب دورًا فعّالا في تربية الأطفال، وما زالت الفزعات جزءًا من الممارسات الثّقافيّة المتّبعة في مجتمعاتنا.

نحن بحاجة إلى تبنّي استراتيجيّات تبنى على هذا الموروث المتراكم من المشاركة المجتمعيّة لخلق بدائل عصريّة للفزعات. نحن بحاجة إلى بلورة فزعات من نوع جديد كتبنّي الّتشبيك كاستراتيجيّة.  فالتّشبيك كنهج عمل يُبنى على خبرات الجميع ويسهم في تعزيز قدرات كلّ المشاركين/ات في العمل التّشبيكيّ.

 

تعتبر التّربية في مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ أمرًا بديهيًّا، يتقنه كلّ أُم وأب لمجرد كونهما أمًّا أو أبًا.  ويُعَدّ النّظام العائليّ الموسّع عاملاً داعمًا للعائلة الصّغيرة (النّواة). فالأمّ تنقل تجربتها في التّربية لبناتها أو لزوجات أبنائها، وبهذا تساهم مساهمة فعّالة في تربية الأبناء. من هذا المنطلق فإنّ مسؤوليّة التّربية في جيل الطّفولة المبكرة، وقعت ضمن مسؤولّيات العائلة. والتّغيير الحاصل في المجتمع في المبنى الإقتصاديّ والسّياسيّ، زاد الحاجة والوعي لضرورة وجود مؤسّسات خاصّة للتّربية في هذه المرحلة.

نشهد في السّنوات الأخيرة محاولات عديدة لإقصاء الأهل عن تربية ورعاية الطّفولة المبكرة (والتّربية بشكل عامّ) من خلال نقل المسؤوليّة من الأهل والمجتمع إلى "المتخصّصين/ات" (الأطر الرّسميّة). 

نحن بحاجة إلى استراتيجيّات تعيد التّوازن ما بين العائلة والأطر الرّسمية وتعزّز مشاركة الأهل في الأطر الرّسمية. فللأهل دور أساس في التّربية وهنالك حاجة لضمان التّكامل بين المؤسّسات الرّسمية والأهل.

نحن بحاجة إلى استراتيجيّات تعيد الأهل لدورهم المهمّ، وتطوِّر هذا الدّور ليشمل الآباء ويعزّز مشاركة الأهل في شراكات مع الأطر الرّسميّة وغير الرّسمية- تشارُك.


يلعب الأهل- أمّهات وآباء- دورًا أساسيًّا في التّربية  وما زال العديد من الأهالي يربطون مصطلح التّربية في الطّفولة المبكرة مع بدء تعليم الطّفل/ة، ويَفترِضون مسبقًا أنّه من أجل حصول التّعليم يجب أن يتواجد معلّم وطالب. ووظيفة المعلّم أن يعلّم "يشرح" ويحاضر ووظيفة الطّالب أن يتعلّم "يستوعب" و"يحفظ".  وتنعكس هذه الرّؤية على تعاملنا مع الأطفال وعلى توقّعاتنا من الرّوضة. فإن ذهب ابننا إلى الرّوضة، نسأله حال عودته "ماذا تعلّمت اليوم؟" ونتوقّع أن نحصل على جواب يدلّ على معلومات، يُفترض أنّ على الطّفل أن يتعلّمها في الرّوضة مثل عدد، أغنية،.. كما وتواجه العديد من المربّيات تساؤلات مشابهة أيضًا "ماذا تعلّم ابننا اليوم؟" ومنهنّ مَنْ تستصعب الإجابة عن هذا التّساؤل والوقوف أمام ضغوط الأهل لمعرفة "كمّ تعلّم الطّفل؟".

نحن بحاجة إلى استراتيجيّات تحوِّل الإهتمام إلى نوعيّة العمل مع الأطفال بدل الإهتمام في " كمّ تعلّم؟"، خاصّة أنّ التّطوّرات التّكنولوجيّة الحاصلة من حولنا كمجال تكنولوجيا المعلومات، لم يعد فيها الحفظ هو ما نحتاجه، فقرص مدمج واحد يخزن معلومات كثيرة في ثوانٍ معدودات. الحاجة اليوم إلى مهارات للتّعامل مع الكمّ الهائل من المعلومات والرّبط بينها واختيار الملائم، أيّ أننا بحاجة إلى تطوير الفكر النّقديّ وليس إلى خزن المعلومات، كما وأنّنا نحتاج إلى توليد المعرفة وليس إلى حفظها.  يمكننا المساهمة في التحوّل المطلوب من خلال:

·        حملات خاصّة تركِّز على التّربية النّوعيّة.

·        تطوير مؤشّرات للنّوعيّة الّتي نتحدّث عنها.

·        مشاركة الأهل في جميع المسارات.

 

  

             تشبيك وأبوّة شرعيّة لتنمية ورعاية الطّفولة المبكرة الفلسطينيّة

نشهد في السّنوات الأخيرة محاولات مختلفة لبناء بنية قاعديّة جديدة ملائمة لمميّزات المجتمع الحاليّة ومحافظة في الوقت ذاته على هويّتنا الفلسطينيّة، فقد شهدنا في نهاية سنوات السّبعين وبداية الثّمانينات مبادرة مجموعات سياسيّة ومجتمعيّة، أوّلا  لفتح روضات وحضانات.  وقد تطوّرت بعض هذه المبادرات وتمأسست كجمعيّات غير حكوميّة غير هادفة للرّبح المادّيّ، وطوّرت عملها لتطوير الطّفولة المبكرة، مثل: النّجدة- لبنان، مؤسّسة غسّان كنفاني- لبنان، بيت أطفال الصّمود- لبنان، مركز مصادر الطّفولة – القدس، مؤسسة  دار الطّفل العربيّ- عكّا(1984) والّتي فتحت فروعًا لها في المثلّث(1989) والّتي استقلّت لاحقا وبقيت تعمل تحت اسم دار الطّفل العربيّ- المثلّث الشّماليّ،  مركز الطّفولة (1989)- التّابع لمؤسّسة حضانات النّاصرة (1984)، جمعيّة تطوير اللّقيّة - النّقب، أجيك - النّقب صندوق تطوير برامج الطّفولة - القدس، تفّاح غزة،..  والعديد من الجمعيّات الّتي سجّلت بهدف إقامة حضانة أو تطوير روضة وبقيت متركّزة في الهدف العينيّ الّذي أقيمت من أجله.  كذلك بادرت فئات دينيّة لفتح مثل هذه الرّوضات والحضانات.

المميّز الأساسيّ لهذه المحاولات هو أخذ زمام المبادرة والعمل على تطوير مجالات الحياة المختلفة والعمل الدّؤوب على تطوير الطفولة المبكرة.

إنّ عدم وجود أب شرعيّ يهتمّ بمصالح مجتمعاتنا ويرعاها، يجعلنا مضطرّين لأخذ زمام المبادرة والعمل على تطوير مجالات الحياة المختلفة ومرافِقها.

وعلى الرّغم من التّطور الحاصل في هذا المجال، ما زالت الحاجة قائمة للعمل على:

·        رفع الوعي المجتمعيّ لأهمّيّة التّربية في جيل الطّفولة المبكرة.

·        رفع مستوى التّأهيل المقدَّم للمربّيات في المجتمع الفلسطينيّ.

·        المرافعة من أجل الإهتمام بالطّفولة المبكرة من الولادة وتطوير البرامج الملائمة لهذه الفترة الحرجة.

·        الإاهتمام بنوعيّة البرامج المقدّمة للطّفولة المبكرة.

·        الإستمرار في تطوير موارد تربويّة  نوعيّة عربيّة، تعتمد  على ما توصّلت إليه البشريّة من معرفة في مجال الطّفولة المبكرة، وتسعى لتعزيز هويّة الطّفل الفلسطينيّ وانتمائه الإنسانيّ  ومهارات التّفكير النّقديّ  لديه، وتضمن حقوقه،  أيّ الإهتمام بتطوير موارد فلسطينيّة أصيلة وعلميّة بنهج شموليّ تكامليّ.

·        توسيع التّنسيق بين الجمعيّات، بين الجمعيّات والأطر الفلسطينيّة الفاعلة في المناطق المختلفة وما بين مؤسّسات الدّعم المختلفة لضمان الإستفادة القصوى من الموارد.

·        توسيع عمل الجمعيّات لتصل إلى جميع فئات المجتمع، خاصّة الفئات المستضعفة  بداخله: قرى غير معترف بها، أطفال ذوي قدرات خاصة، قرى نائية عن مراكز تواجد الجمعيّات،...

·        نشر وتعميم تجارب المؤسّسات النّاجحة المختلفة.

·        نشر وتعميم وتوزيع الموارد المميّزة الّتي تطوّرت في السّنوات العشرين الأخيرة من كتب للأهل وللمربّيات وللأطفال.

·        دعم الأهل في مواجهة التّحدّيات ومشاركتهم/نّ في العمليّة التّربويّة.

·         تدعيم تطوّر المؤسّسات إلى مؤسّسات تعلّميّة متطوّرة بشكل مستمرّ.

 

باختصار خلق عنوان مرجعيّ للطّفولة المبكرة الفلسطينيّة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع

د. جاكلين صفير وغانم بيبي: ورقة نقاش حول الطّفولة المبكرة مقدّمة إلى المنتدى العربيّ الإقليمي للمجتمع المدنيّ حول الطّفولة: ورشة الموارد العربيّة 2001.

د. هالة اسبانيولي: "مسح شامل لاحتياجات الطّفولة المبكرة في جميع المناطق العربيّة ضمن العناقيد 1,2,3,4 من السّلم الإقتصاديّ الإجتماعيّ": لجنة متابعة قضايا التّعليم العربيّ ومركز الطفولة- مؤسّسة حضانات النّاصرة 2003.

رضا محمّد جواد: "العرب التّربية والحضارة: الإختيار الصّعب"، بيروت- مركز دراسات الوحدة العربيّة 1987.

تينا بروس: "أسس التّربية في الطّفولة المبكرة" ترجمة سلامة ممدوحة محمّد: دار الشّروق.

نبيلة اسبانيولي : " واقع أطر الطّفولة المبكرة- ورقة مقدّمة في مؤتمر الطّفولة في سخنين 2006 - مركز الطفولة مؤسّسة حضانات الناصرة  www.tufula.org  

 

Challenges and initiatives in Early childhood education: A report on a regional workshop :Aya Napa-Cyprus: ARC 1992

 

 

 

 

* نظرة الطّفل شموليّة، وهو لا يميّز بين فروع المعرفة المختلفة، بلّ يتعلّم بشكل متكامل.

تفاعل الطّفل مع الأشخاص (كبارًا وصغارًا) يحفّز عمليّة التّعلّم عنده وينشّطها ويشجّعها ويدعمها.

*تربية الطّفل هي تفاعل ما بين الطّفل و بيئته، بما في ذلك وبشكل خاصّ، النّاس الآخرين والمعرفة.

*تنمية هويّة الطّفل الثّقافيّة ولغته الأمّ، وقِيمه الخاصّة مهمّة لنموّه السّويّ والمتكامل. 

*الإعتراف بالحياة الدّاخليّة للطّفل/ة الّتي تظهر وتزدهر في الظّروف المناسبة (تثمين القدرات الفرديّة المتنوّعة للأفراد).

*الإعتراف بأهمّيّة الدّافعيّة الدّاخليّة للطّفل والّتي تقوده إلى المبادرة للقيام بأنشطة يوجّهها بنفسه وتشجيعها، هو أمر مهمّ في تحقيق جوانب شخصيته المختلفة.

*تثمين الفوارق الفرديّة بين الأطفال والإحتفاء بها.

*تنشئة الطّفل على الإنضباط الذّاتيّ، لضمان وتأمين حريته الشّخصيّة والتّصرّف بمسؤوليّة في السّياق الإجتماعيّ والثّقافيّ.

*تربية الطّفل تنطلق ممّا يقدِر الطّفل على القيام به وليس ممّا لا يقدر على القيام به.

*تثمين واحترام دور الوالدين  وأفراد الأسرة الموسّعة في إثراء بيئة الطّفل/ة.

يحتاج الطفل الّذي يعيش في ظروف صعبة إلى دعم نفسيّ ومجتمعيّ كافٍ من أجل تطوير القدرات والمهارات الكامنة لديه الّتي تساعده على البقاء والتّغلّب على الصّعوبات والصّدمات.

*الإعتراف بالحياة الدّاخليّة للطّفل/ة الّتي تظهر وتزدهر في الظّروف المناسبة (تثمين القدرات الفرديّة المتنوّعة للأفراد).

 

 

 

 



[1] الطّفولة المبكرة هي الفترة العمريّة الممتدّة ما بين الولادة إلى جيل السّتّ سنوات أو ثماني سنوات حسب التّعريفات المختلفة.

[2] تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة تُعنَى ليس فقط في التّربية أو أطر التّربية الرّسميّة وغير الرّسميّة، بلّ تتعدّاها لتشمل جميع المجالات والحقول المرتبطة بنموّ الطّفل/ة وتطوّره/ا والمؤثّرة به/ا كَ: رعاية الأمّ الحامل ومتابعة نموّ وتطوّر الجنين، الرّعاية الصّحّيّة الأوّليّة والوقائيّة، ثقافة الطّفل، الإعلام الموجّه للأطفال، تعلّم الأطفال،..

[3]  شموليّ: تعني رؤيتنا للطّفل "ككلّ واحد موحّد".  إنّ للأطفال حاجات متنوّعة ومهمّة بكلّ جوانبها، وهي تتداخل فيما بينها وتؤثّر على بعضها البعض.  لذلك ينمو الطّفل ويتعلّم من خلال تفاعله ونشاطه في  كافّة مجالات حياته.

[4] تكامليّ: تعني أهمّيّة اخذ كلّ هذه المجالات بالحسبان، حتّى عندما نهتمّ في مجال واحد.

[5]إضافة إلى هذه المبادئ جرى تطوير 11 مبدءًا آخر، تناولت كلّها أهمّيّة البيئة في نموّ وتطوّر الطّفل وفي تطوير برامج نوعيّة في رعاية وتنمية الطّفولة المبكرة. يمكن العودة إليها في دليل التّدريب: جاكلين صفير وجوليا جيكلس: الكبار والصّغار يتعلّمون: إصدار ورشة الموارد العربيّة 2002.

[6] رضا محمّد جواد: "العرب التّربية والحضارة: الإختيار الصّعب"، بيروت- مركز دراسات الوحدة العربيّة 1987.