النهج التدعيمي في العمل مع الراعيين الاساسيين في الطفولة المبكرة

 

نبيلة اسبانيولي

                                              اخصائية نفسية

مديرة مركز الطفولة

 

مقدّمة

نشهد في السّنوات الأخيرة تطوّرًا في مجال الطّفولة المبكرة، فقد ازداد الاهتمام بالطّفل والطّفولة بشكل عامّ، وزاد الوعي لأهمّيّة السّنوات الأولى من عمر الطّفل والطّفلة. كما ونشهد زيادة الاهتمام العالمي في تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة[1]، إذ أظهرت الأبحاث في السنواتالأخيرة نتائج جديدة حول تطوّر الدماغ والتي تُبيِّن أنّ العلاقات ما بين الوصلات العصبية في الدماغ، تتطور في الأشهر الثمانية عشرالأولى من حياة الطفل.  وأن هنالك عوامل أساسية قد تؤثِّر علىحياته، أهمّها: التغذية والبيئة المادية والبشرية. أي أن تعاملنا معالأطفال، وما نقدِّمه لهم من إمكانيات، كله يؤثِّر على تطوّرهم. وان الاستثمار بالطفولة له المردود الأكبر ليس فقط للطفل/ة وعائلته بل للمجتمع بشكل عام، ويعتبر استثمار له عوائد اقتصادية للدولة أيضا.
تربية الطّفل هي تفاعل ما بين الطّفل و بيئته، بما في ذلك وبشكل خاصّ، النّاس الآخرين، الموادّ المتوفّرة في البيئة والمعرفة. تفاعل الطّفل مع الأشخاص (كبارًا وصغارًا) يحفّز عمليّة التّعلّم عنده وينشّطها ويشجّعها ويدعمها.  ولذا فمن المهم تثمين واحترام دور الراعين الأساسين للطفل والطفلة أي الوالدين وأفراد الأسرة الموسّعة والمربيات في إثراء بيئة الطّفل/ة  وتنمية هويّة الطّفل الثّقافيّة ولغته الأمّ، وقِيمه الخاصّة والّتي نعتبرها مهمّة لنموّه السّويّ والمتكامل، وتقديم البرامج الداعمة لدعمهم على مواجهة التحدّيات الجمّة التي يواجهونها. 
نشهد في مجتمعنا في السّنوات الأخيرة، بدايات إيجابيّة للاهتمام في مجال التّربية في جيل الطّفولة المبكرة وازدياد الوعي بأهمّيّة التكامل ما بين البيت ومؤسّسات التّربية.  فالطّفل كيان واحد موّحد  ونظرته شموليّة، فهو لا يميّز بين فروع المعرفة المختلفة، بلّ يتعلّم بشكل متكامل،  كما وإنّه متعلّم بالفطرة، يتعلّم من تجاربه ومن معايشته للظّروف المختلفة الّتي تحيطه. وللبيئة والرّاشد دور أساس ليس في تعليمه، بلّ في تيسير وتسهيل تعلّمه.  ولكن غالبية البرامج الموجهةللراعين الأساسين للطفل والطفلة أي الوالدين وأفراد الأسرة الموسّعة والمربيات غالبا ما تتجاهل معرفتهم السابقة المكتسبة من خلال تعلمهم الرسمي او الموروثة من خلال تجاربهم الحياتية والثقافية.  فكيف نعمل مع الراعيين والراعيات للطفل الطفلة؟  كيف نثمن ونحترام دور الراعين الأساسين للطفل والطفلة أي الوالدين وأفراد الأسرة الموسّعة والمربيات؟ وكيف نقدم الدعم الكافي لهم لهن؟ وما هي الوسيلة المثلى لتقديم هذا الدعم ؟ 
 
تطوير نهج عمل مع الراعين الاساسين
يندرج العمل مع الراعين الأساسين ضمن ما أطلق عليه عام 1967Dusan savicevic دوشان سبيسفيك اليوغسلافيّ مصطلحالإندجوجيا، ("إند" والّتي تعني رجل (راشد)، و"جوجيا" الّتي تعنيتوجيه وقيادة). وذلك ليفرّق بين تعلّم الكبار وتعلّم الصّغار الّذي يطلقعليه عادة بدجوجيا (بايس- طفل- جوجيا قيادة توجيه= تعلّمالصّغار).    وتعلّم الكبار هو مسار مستمرّ في جميع مراحل النّموّغير منفصل عن مسار الحياة، على الرّغم من أنّ لكلّ فرد طريقةووتيرة تعلّم مختلفة، غير أنّ الأساس الفكريّ للإندجوجيا أنّ الكبارقادرين/ات على اتّخاذ قرارات مرتبطة في مسار تطوّرهم.  وهنالكعدّة أسس تشرح تعلّم الكبار ويمكننا تصنيفها إلى:
-       أسس ذهنيّة: الحاجة إلى المعرفة، الحاجة لرؤية، الحاجة إلى حلموتحدٍّ.
-       الأسس العاطفيّة: التّعلّم من خلال دافعيّة داخليّة، الحاجة للإستقلالية،الحاجة للثّقة والدّعم.
-       الأسس السّلوكيّة: أهمّيّة ربط التّعلّم مع تجارب الماضي، ميل للواقعيّةوالعمليّة، الحاجة للتّداخل في الفعاليّات والمشاركة في التّعلّم.
هذه ما دفعنا للتعامل مع المحاور الثلاث الأساسيّة عند العمل مع الراعين الأساسين من مربّيات، أمهات وإباء أي: المعلومات، المواقف والمعتقدات، والمهارات ولكن السؤال الذي طرح كيف نتعامل مع المحاور هل نتبنى التوجّه التّعليميّ: والذي يعتبر المسار هو عبارة عن تعليم نظريّ، ذهنيّ، تهدف إلى إثراء المعرفة والقدرات ومبنيّعلى الفرضيّات الأساسيّة التّالية:  إنّ التّغيّر والتّطوّر لدى الفرد ينبع/تنبع بالأساس من اكتساب معلومات ومفاهيم.  إنّ ما ينقص الفرد هو المعلومات والقدرات المهنيّة.  إنّ هناك مختص يعرف ما هو"النّاقص" لدى الفرد ويستطيع مساعدته لاكتساب هذه المعلومات.  اما نتبنى التّوجّه المبلور:  والذي يعتبر مسار تحدّ وتحسينشخصيّ، يتطلّب من الفرد وعيًا وتذويتًا للمسارات التّي يمرّ بها،وهو عبارة عن مسار حواريّ متواصل، يذوّت خلاله الفرد وبالتّدريجالمبادئ والقيم المرتبطة بالتّعلّم، إلى أن تصبح جزءًا لا يتجّزّأ من ذاتهويستطيع استخدام ما تعلّمه في ظروف جديدة.  الفرضيّات الأساسيّة هنا، هي: ان الفرد لديه تجاربه ومعارفة الخاصّة، لكنّ المسارسيساعده على تحسين جوانب شخصيّة ومهنيّة، وذلك من خلالتوسيع وتعميق وإثراء، لكنّ اتّجاه التّطوّر محدّد مسبقًا.  هنالكتصوّر واضح عن من هو المربّي الجيّد؟ وما هي الإنجازاتالمطلوبة؟.  وان المشاركة في مسار التّطوّر هو أساس التّعلّموالتّطوّر.   اما نتبنى التّوجّه المساريّ:  التّطوّري والّذي يحقّق منخلاله الفرد قدراته الذّاتيّة والمهنيّة، فالتّطوّر المهنيّ هو قيمة بحدّذاتها لديه وبتلاؤم مع مهاراته المهنيّة، احتياجاته وقدراته. والذي يضع الفرضيّات الأساسيّة التالية:  إنّ المعرفة حول التّربية تنبعمن المربّي/ة الفرد.  التعلم هو مسار اكتشاف وتعرّف على هذهالمعرفة والتّفكير بها، هو شأن ذاتيّ يحقّق من خلاله الفرد ذاتهالشّخصيّة والمهنيّة.   اما ان هنالك توجه اخر نتبناه؟
تعلمنا من خلال عملنا مع مجموعات مختلفة من مع الراعين الأساسين من مربّيات، أمهات وإباء ان التوجه التدعيمي هو التوجه الملائم لنا وهو الذي يضمن تذويت المضامين وتحويلها إلى ممارسات حياتيّة وهذا يتطلب التعامل مع المواقف والمعتقدات بشكل واعي. فالمعلومات تبقى نظريّة إن لم تتوافق مع المعتقدات والمواقف التي تتبنّاها المربّية، ألام الأب وإن لم تتعزّز بمهارات أساسيّة تحتاجها المربّية ألام الأب من أجل تحويلها إلى ممارسات حياتيّة.  
التوجه التّدعيمي
التّدعيم ((Empowerment أو التّمكين (كما يطلق عليه البعض)هو مسار له ركائزه الفكريّة، أوّلها الوعي بوجود قوّة معيّنة أساسيّة(power)  لدى الفرد أو المجموعة أو المجتمع.  هذه الرّكيزة تدحضالاعتقاد السّائد بوجود مجموعتين: خبراء أصحاب الحكمة والمعرفة،والنّاس العاديّين "الجهلة"، إذ يقلب التّوجّه التّدعيميّ هذا المفهوم رأسًاعلى عقب، ويعيد الاعتبار للفرد أو الجماعة صانعي الحكمة الشّعبيّةوالمعرفة النّاتجة عن التّّجارب الحياتيّة، ويضع هذه المعرفة تحتالمجهر تمامًا كما يضع المعلومات الأخرى، فكلّ المعارف قابلةللفحص وللتّجديد وللتّدقيق وإعادة الصيّاغة أيضًا.  ومن خلال التّدعيم تتطوّر المهارات، ويتعزّز الانفتاح ويحدث تحسّن مستمرّ في المجالالشّخصيّ والمهنيّ.  يمكّن التّدعيم من استكشاف القدرات الذّاتيّةوالتّعرّف عليها وتقويمها، تفعيل الطّاقات الكامنة وتعزيزها ويمكّنالفرد من تطوير القدرة على التّعزيز الذّاتي، ممّا يزيد من الدّافعيّة للقيامبأمور متنوّعة من أجل الوصول إلى الأهداف وإحداث التّغييرالمركّب.  
التّدعيم مسار تسهيل - فهو يسّهل عمل الفرد أو المجموعة من أجلزيادة قدرته/ا على التّحكّم في الأحداث التي تحدّد مجرى حياته/ا.  لاتوجد "وصفة جاهزة" للتّدعيم، فهو يحدث بطرق مختلفة وفي جميعالمجالات، إنّه عمليّة دائريّة تسهم في التّغيّر المجتمعيّ.
يتعارض التّدعيم مع فرض نماذج محدّدة لجميع الإفراد فما يناسبني قدلا يناسب الأخريات.  كلّ فرد ي/تحدّد قدراتها ومدى رغبتها فياستعمال هذه القدرات، ولها الحرّيّة في تحديد وتيرة المسار.  فهيذاتها أكبر متخصّصة في الخطوات التي ترغب في سيرها. المهم هوفتح أبواب الاختيار دون تحديد الباب الذي عليها أن تدخل منه.
أسسٍ التدعيم
يعني مفهوم التقوية والتدعيم ان تحدد النساء كنموذج لمجموعةاجتماعية التغييرات اللازمة في حياتهن، كما يحددن الوسائل اللازمةلإحداث هذه التغييرات بأنفسهن دون الاعتماد على خبراء من خارجالمجموعة. كيف ينعكس هذا على المسار؟ وكيف تشارك الميسرة فيتوجيه هذا المسار؟ 
يرتكز نموذج التدعيم بمفهوم طاقم المركز إلى المحاور التالية:
      1.       خلق أجواء تعلمية 
      2.       نهج مشارك
      3.       تفاعل نقدي مع المعارف جميعها –أصالة وتحديث
      4.        تفاعل نقدي مع عالم قيم  المتعلمات ومفاهيمهن.
      5.        القوة والسلطة بيد جميع المشتركات
 
خلق أجواء تعليميّة
نؤكد على أهمّيّة خلق أجواء تعليميّة حواريّة في كلّ مجموعة من أجل بناء أجواء من الثّقة والأمان تيسّر للمشاركات إحضار تجاربهنّ ومواقفهنّ ومعتقداتهنّ دون حواجز؛  أجواء تعليميّة حواريّة داعمة تمكّنهنّ من فحص هذه المعتقدات والمواقف، تعزيزها أو تغييرها بوتيرة المربّية ووفق خيارها بنهج داعم لها[2].
نهج مشارك
كان المربّي/ة أو المعلّم/ة في الماضي مركز العمليّة التّربويّة، فهو الذييقدم المعلومات إلى الطّلاّب وهم يتلقّونها ويحفظونها عن ظهر قلب،ليعيدوا تلاوتها عليه كما هي.  فلم يكن هناك مجال لفحص معارف المتعلّم وإبداعه، أو مدى قدرته على استعمال هذه المعلومات عندمايحتاج إليها في الظّروف الطّبيعيّة "أي عندما يواجه مشكلة".  بكلماتأخرى لم تكن الإمكانيّة متوفّرة لفحص مدى تذويت المعلومات لتصبح معرفة ذّاتيّة لدى المتعلّم/ة.
ينقل التّوجّه التّدعيميّ المشارك الفعال مركز العمليّة التربويّة التّعلّميّةمن المعلّم إلى المتدرّب/ة والمتعلّم/ة، فهو يملك الدّافعيّة الأساسيّة التيبدونها لا تتمّ عمليّة التّعلّم، وهو صاحب القدرات العينيّة المرتبطةبتجاربه السّابقة وبمستوى نضجه، وهو الذي يتفاعل ويتعلّم.  تزدادإمكانيّة التّعلّم من التّجارب بوجود المدرّب، المنشّط، الدّاعم والموجّهوالوسيط الذي يوفّر تجارب تعلّميّة، ويقدر ما يحضر كلّ فرد منمعلومات وتجارب سابقة. 
تفتتح اللقاءات بجلسة نقاش عامة تطرح بها المشاركات المواضيعالتي يعتقدن بضرورة التطرق أليها في المجال، ففي الدورة التدريبيةلحاضنات الأطفال تطرح المشاركات المواضيع التي مهم التطرق إليها، في بعض الحالات تحتاج الميسرة إلى توسيع آفاق المشاركات من خلال طرح أسئلة تحثهم على تحديد القضايا التى تهمهن فعلاوالتعبير عنها.  فتحفزهن على التساؤل عن مواضيع أخرى تخصهنكنساء، فقد تسأل: ماذا عن جسمك؟  ماذا تعرفين عنه وما الذيتريدين ان تعرفيه؟ وبهذا توسع حلقة المعرفة الصحية لتشمل الصحةالنسائية أيضا.
ان هذا التوجه من شأنه تعزيز ثقة المشاركات بحقهن وقدرتهن علىطرح التساؤلات الحقيقية في أجواء تفهم وإصغاء، واتخاذ القراراتوالمبادرة إلى اقتراحات تلائم احتياجاتهن، وبالتالي تزداد قابليتهنللتعلم، فهن مقررات فعالات في مسار التعلم ومبادرات لوضع بعضمحتوياته.    لا شك ان تجربة المشتركات السابقة تحد من مساهمتهنالفعالة في بداية المسار، ويحتاج الأمر إلى مثابرة وجهد من الميسرةوالمشتركة على حدّ سواء، كما وان  التجارب والرؤية لدىالمشاركين/ات ليست متجانسة دوما.
يفترض النهج المشارك آليات جديدة تهدف إلى فتح المجال أمامالمشاركات للمشاركة الفعالة بقدراتهن والتعلم من تجارب المجموعة،لذا فالحوار هو الآلية الأولى للتعبير عن التجربة ولصياغة الأسئلة،وللميسر/ة دور كبير في بناء الجو الحواري الداعم والمغني.
ان استعراض مشاكل من الحياة وبحثها ومحاولة أيجاد حلول لها آليةمهمة في مسار التعلم.  ولكي نستطيع استعراض المشاكل لا بد منتطوير رؤية المتدربات للوضع القائم ودعمهن لتحليل الواقع وأسبابهبشكل نقدي جدي للوصول إلى حلول ترتبط بالتغيير المجتمعي،  وذلكيتم من خلال ربط التعلم بالحياة الاجتماعية والسياسية العامة وفحصالطرق لتغييره.  في لقاء حول التثقيف الصحي ذكرت إحدى الطالباتأن طبيب الأطفال قد زودها بدواء يختص بالأسنان على طفلتها ان تجرعه حتى جيل سنتين، ودون توضيح ماهية الدواء.  حين بحثتالطالبات موضوع المعادن وأهميتها للجسم، توصلن إلى أن الدواء كانعبارة عن مادة الفلور، وتساءلت الطالبات عن وجود طرق أخرىلاستخدام الفلور بصورة غير دوائية، ووصلن إلى قضية فلورة المياهوأبعادها السياسية والاقتصادية والصحية، واتضح أثناء الحوار انالطالبة التي تقطن "الناصرة العليا" (مدينة يهودية) لا يحتاج طفلها إلى- الفلور - لان مياه المدينة مزودة به بخلاف مياه الناصرة.  تطرقتالطالبات إلى العوامل السياسية التي تقف خلف هذا التمييز،  وكانتحاجه للفحص ما إذا كانت جميع المدن العربية محرومة من الفلور فيمياهها وجميع  المدن اليهودية مزودة به، وماذا يمكننا ان نعمل فيمثل هذه الحالة.
يشجع التوجه التدعيمي المشاركات على التساؤل عن جذورالمشاكل،  والتمييز بين مسؤولية الفرد ومسؤولية المجتمع بما يتعلقبقضايا حياتية كالصحة والتربية والوظائف الاجتماعية للجنسينوغيرها.
في مجتمع يطغى العنصر العلاجي لا الوقائي على خدماته الصحية،تصبح كلمة الطبيب "مقدسة" وغير قابلة للنقاش، وعلى ألام المثاليةأن تطيع إرشادات الطبيب.  فإذا مرضت أو مرض طفلها تلام علىإهمالها.  في مجتمع هرمي تمنع مناقشة أصحاب السلطة، فالمعلم هوصاحب المعرفة وهو لا يخطئ، وهو مالك الإجابات الصحيحة.  كما وتتحول كثير من المشاكل المجتمعية إلى مشاكل فردية، فتحررالمجتمع وأفراده من مسؤولية التعامل معها، كمشكلة العنف الأسريالذي يصوّر غالباً كظاهرة فردية تستوجب العلاج، وبذلك يحررالمجتمع ذاته من مسؤولية معالجتها على المستوى السياسي، فلا تنقدالبنية الاجتماعية التى تساهم في المحافظة على الوضع القائم.  
لدى التطرق في اللقاءات مع المشاركات إلى هذه المشاكل الحياتيةنحلل الأسباب ونحدد المسؤوليات، ونقف على الأساس السياسي لكلظاهرة "فردية".  فربط التعلم بالحياة الاجتماعية والسياسية العامةوعدم تلقى المعلومات واستقبالها بشكل سلبي كرزمة جاهزة، وخلقأجواء مشاركة تسهم في الوصول إلى التعلم النقدي الذي يوضح الواقعويكتشف الأسباب الحقيقية للمشاكل التى نعاني منها هي الخطوةالأولى للتغيير الاجتماعي.   ولكنها غير كافية يجب ان ترتبط بامتلاكالقوة والسيطرة على مركبات الحياة الخاصة والعامة من اجل التغييرالاجتماعي المطلوب.
تتم المشاركة بين المشاركات والميسرة في التخطيط، التنفيذ والتقويم، وبالمسؤولية للمسار ونتائجه.  فتوزع المهام حسب مهارات وقدرات المشاركات.  فتتطور علاقة المشاركة في المسؤولية لدى كل فرد منأفراد المجموعة.  فالمشتركة الخجولة أو الهادئة أو التى كبتت عبرمسار تعلمها الرسمي تتشجع للمشاركة في النقاش في المجموعةالصغيرة، وبتطور المسار نرى ان فاعليّة غالبية المشتركات تزدادأيضا.  ان المسار متدرج فلا يحدث دفعة واحدة، وهنالك مراحلمختلفة تمر بها المشتركات قد تؤدي إلى صراعات داخل المجموعة،فهنالك من تحاول إعادة العجلة إلى الوراء وذلك بتوجيه اللوم إلىالمشتركات الفعالات بأنهن يتحدثن اكثر من اللازم، أو بمطالبةالمنشط/ة ان يعيد ما قاله لتدونه، وما إلى ذلك من محاولات للعودة إلىالطريقة التلقينية التى اعتدنها.   كما ونجد بعض المشتركات اللواتي لايتوقفن عن الحديث ولا يسمحن لغيرهن بالمشاركة، وذلك لأنهن لميتعودن على وضع الحدود الذاتية  لأنفسهن ولم يدركن بعد انه، وحتىفي الجو الحواري، فان حريتي تنتهي عندما تبدأ حدود الآخرين، وأننيكفرد داخل المجموعة علي ان أتعلم ضبط النفس الذاتي. تظهر نماذجأخرى عديدة خلال مسار التعلم تعكس صعوبات التعامل مع النهجالجديد، وهنا يكمن أحد التحديات التى تقف أمام الميسرة في التعامل معجميع هذه النماذج دون التخلي عن الأسس التى تبغي تدعيمها أيالمشاركة والمسؤولية الجماعية، مع حدود واضحة متفق عليها من قبلالجميع.
تبنّى نهج التّدريب الفعّال[3] كمنهجيّة في العمل داخل المجموعة، ويرافق ذلك عمل فردي او جماعي في الميدان لجمع المعلومات او للاستكشاف قضايا معينة وإجراء المشاهدات والزيارات الميدانيّة والتى تحضر الى جلسات إرشاد فرديّة وجماعيّة  في المواقع المختلفة لتدعم المربّية ألام الأب في تذويت التّعلّم وتحويله إلى مكوّن في العمل اليوميّ مع الأطفال.  وذلك يضمن
1)    توفير الفرصة للتّعلّم من التجارب الذّاتيّة وتمكين الفرد من تعميق فهمهلممارساته ومميّزاته المهنيّة والشّخصيّة، ودعمه في توظيف قدراته الدّاخليّة للوصول للحلول الملائمة له. من المهمّ جدًّا عدم طرح الحلول، إنّما تعزيز قدرة الأفراد للتّوصل للنّتائج بانفسهم، بناءً على معرفتهمفي المجال - كمعرفتهم في قوانين النّموّ ومعرفتهم بأطفالهم وبذاتهم.
2)    دعم وتعزيز الدّافعّية للعمل ومواجهة التّحديّات.  دعم الفرد لتحمّل المسؤوليّة على العمليّة التّربويّة، تقييم وتوجيه ذاتي، وعدم إلقائها على الظّروف الخارجيّة.
3)    تطوير المقدرة، على التّعلّم والتّجدّد والانفتاح والمرونة. وهذا يشملتطوير المقدرة على النّقد الذّاتي، تقبّل النّقد من الآخرين، تقديم النّقدالبنّاء، والاستعداد للتّغيير إن دعت الحاجة، تطوير القدرة على التّعاملمع الصّراعات ومواجهة الصّراعات النّاتجة عن العمل.
4)    تعميق معارف الفرد وتعزيز مهاراته المهنيّة، والتّدرّب على آلياّت منشأنها أن تطوّر عمله/ا، والتّعرّف على أساليب وطرق وبرامج جديدةللتّعامل مع الواقع.
5)    تطوير المرونة في تفكير وسلوكيّات الفرد وتعميق القدرة لرؤية الإشكالياّت من زوايا مختلفة.
6)    دعم الفرد للتّعايش والتّعامل بمهنيّة مع البيئة الخارجيّة – الأهل، الإطار التّربوي، التّفتيش،..... 
 
تفاعل نقدي مع المعارف جميعها –  أصالة وتحديث
ساد الاعتقاد بأنّ المتعلّم (طفلاً أو راشدًا) يحضر ليتعلّم، يفترضمفهوم "التّعليم" السّابق غياب المعارف والتّجارب والقدرات لدىالطّالب/ة (أو المجموعة أو المجتمع).  وإن وجدت فرصة لظهور هذه المعارف، فقد يثمّن بعضها عاليًا ويغيب الآخر بلا تعليق، وذلك بناءًعلى مصدرها.  فقد قدّرت في الماضي التّجارب والمعارف والقدراتالمكتسبة خلال مسار تدريب وتعليم رسمي، بينما أهملت التّجاربوالقدرات والمعًارف التّي تكتسب عبر مسار الحياة.  وقد أطلقفريري على هذه الظّاهرة "الهرميّة السّياسيّة للمعرفة".  فالمعرفةالمكتوبة أكثر أهمّيّة من المعرفة المنقولة، ومعرفة المعلّم مهمّة أكثرمن معرفة الطّالب/ة، وبما أنّ السّيادة للهرميّة السّياسيّة للمعرفة، فإنّالمعرفة العلميّة أهمّ من المعرفة الأدبيّة، وهكذا يبنى الهرم ويتجذّر. بينما يثمّن التّوجّه التّدعيميّ جميع الخبرات، التّجارب والقدراتوالمعارف التي اكتسبت عبر مسار الحياة، ومسار التّعلّم الرّسميوغير الرّسمي، ويتعامل معها بشكلّ نقدي.  فالمعرفة الموروثة،الثّقافيّة غير المكتوبة، في مجال تربية الطّفولة المبكرة مثلاً، والشّائعةعادة في الأوساط النّسائيّة في مجتمعنا نتيجة لفهم دورهنّ التّقليديكمسؤولات عن التّربية وعن إكساب القيم لأطفالهنّ، هي حسب التّوجّهالتّدعيميّ معرفة جديرة بالاهتمام وبالدّراسة والنّقد، تمامًا كأيّة معرفةمكتوبة موثّقة "علميّة" أخرى،  فهي أيضًا نتاج لتراكم التّجارب عبرالزّمن.
من المعروف ان غالبيّة العاملين والعاملات في الطّفولة المبكرة من النّساء، ولدى النّساء في مجتمعنا قوى كثيرة ومعارف موروثةمرتبطة بالطّفولة المبكرة، لا تؤخذ بعين الاعتبار في مسار التّأهيلالرّسمي ولا تستثمر في عمليّة التّغيير الاجتماعيّ. وقد رأينا أهمّيّة دمج المعارف الموروثة التّي تحضرها النّساء في التّدريب، فنبني على هذه المعرفة، نتحاور معها ونعزّز ما يتوافق مع المعرفة العالميّة في الطّفولة المبكرة.  وهكذا تصبح المعرفة دامجة للأصالة والتحديث ويصبح الإنسان على استعداد لتوليد معرفة جديدة.
نبدأ من معرفة المشاركات وخبرتهن وتجاربهن، نحترمها ونبني عليهاالمسار، ولذا تدور عملية التعلم في دوائر مختلفة واتجاهات شاملة. 
من طالبة -- طالبة أو طالبات.
    طالبة -- ميسرة 
    ميسرة -- طالبة.
بما ان المحتويات تستند إلى الخبرات الحياتية للمشاركات فجميعهنقمن بدور الأم، الأخت، الجارة والقريبة وشاركن بدرجات متفاوتة فيتربية الأطفال، نشجع المشاركة لتثق بما تعرفه وتمارسه ونحددالطرق لفحص وتحليل هذه الخبرات الشخصية والمجتمعية بشكلنقدي.  فكما يحدث في مناطق عديدة من العالم يربط الناس في بلادنابين "التقدم" والتوجهات والممارسات المستوحاة من الثقافة الغربية،مقابل "التخلف" النابع من الثقافة المحلية خارج العالم الغربي.  تعود"عقدة الدونية" هذه إلى عوامل عدة ومنها الاستعمار الثقافي وادواته من إعلام وأدب وأكاديميا. غالباً ما تنظر الطالبة لمعرفتها الموروثةوالمكتسبة من تجاربها الحياتية بمنظار سلبي أو على الأقل لا تعتبرها"معرفة"، فالمعرفة بمفهومها هي تلك المدوّنة في الكتب أو التي أملاهاالمعلّم فقط.
إنّ الشّرط الأساسيّ للمقدرة على التّعامل النّقدي مع ذاتنا والتّعلّم منتجارب وثقافات الآخرين هو معرفة حضارتنا بسلبيّاتها وإيجابيّاتها،والشّعور بالفخر للانتماء لها، انتماء يزيد من الغيرة على مضامينهافيدفعنا إلى النّقد والتّغيير ابتداءً من ذاتنا ويدفعنا لتدعيم الشّعور بملكيّة الموروث الثّقافي لنتمكّن من تجذيره وتغييره، أي للدّمج بين الأصالةوالتّحديث، وذلك برؤية نقديّة تؤكّد انبثاق المركّبات الثقافية من الجذورونلائمها لاحتياجاتنا اليوميّة كي نبني هويّتنا الشّخصيّة والمهنيّةالمتميّزة المتجدّدة.
نعتمد الأصالة المستقاة من موروثنا الثّقافيّ الغنيّ ومن تجاربنا الحياتيّة، والتّحديث العلميّ الجامع للمعارف العلميّة المحلّيّة والعالميّة.  انطلقنا من الفكرة القائلة "إنّ من لا ماضي له فلا حاضر ولا مستقبل ينتمي إليه".    هذا مسار احتاج أولا الى إعادة الثقة بمركبات هذا الموروث وإعادة تملكه، خاصة بعد وعينا لما نمر به من مسارات استعمارية بما في ذلك استعمار ثقافي، تضع ثقافة المستعمركثقافة عليا، متفوقة على باقي الثقافات، وتزعزع الثقة في ثقافتنا وجذورنا.  وتجعل العديد منا يعانون من سيكولوجية الإنسان المقهور وذلك نتيجة لسياسة القهرالمتبعة على مدار سنوات عديدة.  فقد فقدنا كأقلية وطن، عانت لسنوات من الاضطهاد والتمييز من قبل السلطات الإسرائيلية، الثقة بالذات (خاصة الذاتالجماعية، فقدان الثقة بكل ما هو عربي أو فلسطيني) وبالمعارف خاصة الموروثةمنها.  هنالك من حاول الحفاظ على الهوية من خلال  التقوقع، ومن ذوت النظرة الدونية التى عززها الاستعمار الثقافي تجاه ثقافتنا وموروثنا وجعلنا في أحسن الأحوال نتعامل معه  كفلكلور وليس كمعرفة موروثة عرضة للنقد والتجدد.  هنالك من حاول تسجيل وحفظ هذا التراث خوفا من محاولات طمس المركبات المختلفةللثقافة الفلسطينية، وعلى الرغم من أهمية هذا التوثيق في كونه أساسا لرصدالماضي ولكنه لوحده لا يحفظ الهوية من الضياع.  
 
 
تجربتنا كفلسطينيينداخل إسرائيلأظهرت لنا حدّةالاستعمار الثقافيوخطورته، إذ لميرتبط الاستعمارالثقافي لدينا بالغربفحسب، كما هوالحال في غالبية "الدول النامية"، "الدول الفقيرة"، وما يسمى بدول "العالمالثالث"، بل ارتبط  "بالاسرلة" والتي تعني لنا فقدان الهوية الوطنية والثقافية علىالسواء.  فإذا نظرنا إلى الاستعمار الثقافي في دولة عربية أو أفريقية نراه غير مرتبط حتما بفقدان الهوية الوطنية، على الأقل بمستوى الوعي، بل أن هنالك إمكانية للمناداة بهوية "جديدة" مركباتها غربية واسمها أفريقية، وذلك بإدخال الاستعمار الثقافي ضمن المدنية الجديدة وحتى فلسفته وتبريره، بينما إذا تفحصنا الوضع في  إسرائيل فالمناداة بالمدنية والتحضر برؤية غربية يرتبط مباشرة مع الاسرلة والإسرائيلية.  وعينا مبكراً خطورة مثل هذا التوجه لا سيما وانه اقترن بتقويم سلبي للحضارة العربية الفلسطينية كشيء من الفلكلور القديم، المتخلف، البدائي وبالتالي الدوني.  وهكذا غالباً ما تستعمل كلمة فلكلور للدلالة على كل ماهو مرتبط بالثقافة والحضارة الفلسطينية، وكأن هذا الموروث الثقافي قد بتر ولميستمر، ولم يستعمل بطرق متجددة مبدعة.  كما ومنع البعض التعامل النقدي معالثقافة الذاتية والثقافات الأخرى وعزز التقوقع في الكثير من الأحيان.
 
 
إنّ احترام الثّقافة الذّاتيّة والاعتراف بمكنوناتها الإيجابيّة والسّلبيّة يفتحالمجال أمام التّعامل مع الثّقافات الأخرى، إدراك سلبيّاتها وإيجابيّاتهاوالاستفادة من الخبرات الإنسانيّة المتنوّعة.  هذا يفسّر لماذا يتمتّعأطفالنا العرب بقصص استريد ليندجرين السّويديّة، ولماذا يثمّن الغربعاليًا عطاء ابن خلدون وابن سينا للحضارة الإنسانيّة.
تحار الطالبات أمام سؤال مثل:  "ماذا تعرفن عن تربية الأطفال"؟ويعلنن جهلهن بالموضوع، ولكن حين يُسألن عن عادات العنايةبالحامل والطفل ينساب كم هائل من معرفتهن الثقافية، وبعد تجميعهانصنفها في مجموعات، قصص، أغان، ألعاب، عادات، علاجات،معتقدات ونفحص ونناقش متى يقدم كل منها للأطفال ولماذا، وندعم ذلك بمعرفتنا العلمية فنفسر العادة او الممارسة استنادا الى نظريات من علم النفس او ارتباطا بمساهمتها في تطور ونمو الأطفال مثلا. 
فهل نعلم مثلاً لماذا نلعب "لعبة البأعينو" أو "حطي زيت يا حجه" أو"زقف زقف نينه"؟  هل هي مجرد ألعاب، أما أنها استجابة لحاجاتالأطفال؟  نسأل أولا متى نلعب كل لعبة، فتظهر فوارق في الإجابات: فهذه لعبة نلعبها مع الطفل في جيل 6-5 أشهر (مثل لعبة البأعينو)وهذه لعبة نلعبها مع الطفل في جيل 9-8 أشهر كلعبة زقف زقف نينة،وهذه لعبة نلعبها مع ابن السنة والسنتين وهكذا دواليك  نسأل:  هل هذاالأمر صدفة؟  لماذا لا نلعب جميع هذه الألعاب مع الطفل منذ لحظةولادته؟ وهكذا نبدأ بالبحث والتنقيب إلى ان ندرك ان هنالك سبباً، وانتعاملنا مع الألعاب قد تطور عبر تجارب حياتية مكثفة.  هنا يكمندور الميسرة في ربط هذه المعارف بالمعارف العلمية المتوفرة حولنمو الأطفال، فندرك مثلاً ان لعبة البأعينو تساهم في تطوير أدراكالطفل لثبات الشيء، وهي قدرة ذهنية تتطور في الشهر الخامس أوالسادس من حياة الطفل، كما وتساهم لعبة "حطي زيت يا حجه"بتطوير التناسق بين الإصبع وكف اليد وتطوير القدرات العضليةللطفل. تندهش المشاركات حين يكتشفن ان للكثير من مركباتموروثنا الثقافي دوراً في تطور الطفل، وحين يدركن ان العديد منالطرق الشعبية في أعداد الطعام تتلاءم ومتطلبات الصحة السليمة: فكثيرا ما سمعنا أمهاتنا أو جداتنا يحثثنا في الصباح على الإفطاروتناول الزيت والزعتر، خاصة قبل الامتحانات قائلات "ان الزعتريفتح العقل".  وتمر الأيام ونكبر ونسترجع "زعتر أمي"، وحين ننقببحثاً عن لغز مفعوله نكتشف ان له تأثيراً على الجاهز العصبي فهوميقظ له!    وفي دورة تشجيع المبادرات الاستثمارية لدى النساءمثلاً، انطلقت الميسرة من تجارب الحاضرات في إدارة البيت،وتخبطاتهن في اتخاذ قرارات حياتية يومية، والاستفادة من هذهالتجارب لإدارة مشروع استثماري، والأمثلة متنوعة عن الاستفادةمن العمل بمنظور هذا التوجه مع مجموعات ومواضيع مختلفة.
الخبرات الحياتية اذا تحضر المعارف الموروثة التي تجمعت لدى المشاركات من تربيتهن المجتمعية ولكي نعيد الثقة بها نحللها ونربطها مع المعارف الرسمية المتوفرة من العلوم المختلفة، فتجمع المشاركاتالمعلومات بوسائل مختلفة، أولها الحوار والتفاعل داخل المجموعة،لتصل المشاركات إلى استكشاف مزيدٍ من المعلومات وتذويتها.  كما وتشكل المراجع المكتوبة والبصرية-السمعية الموضوعة تحتتصرف الطالبات في المركز مورداً آخر للمعلومات، إذا ما ارتبطمضمونها بما تمر به الطالبات من تجربة تعلمية حية.  وبهذا يتضح للمشاركات ان مصادر المعرفة متنوعة وان لا توجد هرمية معرفية، فمعرفتها ومعرفة شريكتها ومعرفة الميسرة كلها مصادر شرعية تغذي بعضها.  عندما نواجه تصادم بين المعارف المتنوعة يمكننا إجراء المزيد من البحث والتمحيص والتساؤل ونفحص صحة المعلومات واستنادها فيتبين الفرق بين المعلومة، والإشاعة، والخبر، والنظرية..... ويتعزز التفكير النقدي المتحرر من الأفكار المسبقة.  
ان التعامل النقدي مع مركبات الموروث الثقافي يضع كل مركب فيدائرة الضوء، ونحتاج للإجابة على العديد من التساؤلات حول عاداتكانت شائعة ولا تتوافق مع معرفتنا اليوم، فهل نستمر بممارستها؟ غالباً ما يبطل تأثير العادة إذا ما كشف سبب نشوئها، ومن هنا فإنالتعامل النقدي مع بعض السلوكيات السلبية يفضحها ويدفع إلىتغييرها. وهنالك ممارسات لا نستطيع تفسيرها، فهل نستمر فيانتهاجها وماذا عن السلوكيات المضرة والتي أثبتت ضررها، هلنستمر في اتخاذها نمطاً لحياتنا؟  مثل هذه الأسئلة تضع المسؤوليةعلينا نحن الأمهات والمربيات، لا على الطبيب أو الممرضة فحسب،فنحن شريكات فعالات في العملية التربوية.
 
 
فالحضارة كما نفهمها نحن تنبثق من جذور وتتجدد دائما بتلاؤم معاحتياجات المجتمع، لذا نبعت الحاجة لتدعيم الجذور ولتجديدها أيللدمج بين الأصالة والتحديث، وذلك برؤية نقدية تؤكد انبثاق المركباتالثقافية من الجذور وتلائمها لاحتياجاتنا اليومية لبناء هويتنا المتميزةالمتجددة.    فعلى سبيل المثال لا الحصر هنالك العديد من الأبحاث والكتب التي كتبت في السنوات الأخيرة عن أهمّيّة العلاقة الحميميّةAttachment في الأشهر الأولى من حياة الطّفل/ة، وتلخّصها أمثالنا ومعرفتنا الموروثة.  فيأتي "مكاغاة" ليعزّز هذه المعرفةّ، بعد ان بحثنا واستفسرنا وتأكّدنا من كلّ مركّب من مركّبات هذا الموروث أي تعاملنا معه بشكل نقدي، فنقول مثلا:
 "ماما وبابا يا حلوين،
عندي طلب زغير بسْ مهم كثير، احملوني ولا تبخلوا علي، في هذه الفترة بالذّات، ولا تخافوا أتعوّد على الحمَلان ولأتدلّل أكثر من اللزوم.  صوتكوا الحنون، ريحتكوا الطّيّبة، وحضنكوا الدّافي أكثر شي بريّحني، ومثل ما قالت ستّي:  بعدني مش مربْعِن وعمبقلب أسابيع".
أي ان النص يؤكّد على الحاجة النّفسيّة المؤكّدة علميًّا، وهي حاجة الطّفل للدّفء الإنسانيّ- خاصّة في الأشهر الأولى، حتّى يتعوّد على الانتقال من الرّحم المحميّ إلى العالم الواسع، ويتبنّى المقولة الشّعبيّة الّتي وضعت معدّل أربعين يومًا لهذا التّأقلم. 
أن الشرط الأساسي للمقدرة على التعامل النقدي مع ثقافتنا والثقافاتالأخرى،  هو تحررنا من  الاستعمار الثقافي ومعرفة حضارتنابسلبياتها وإيجابياتها، والشعور بالفخر للانتماء لها، انتماء يزيد منالغيرة على مضامينها فيدفعنا إلى النقد والتغيير ابتداء من ذاتنا.  لذاتوجب العمل مع كل من شاركنا للتأكيد على النهج التحرري التدعيمي الذي يعيد الثقة بالذات الجماعية ويعزز التعامل النقدي مع الموروثالثقافي والنظريات العلمية التي نتداول بها.
 
 
تفاعل نقدي مع عالم قيم  المتعلمات ومفاهيمهن .
لعل أول خطوة هي الدخول إلى هذا العالم وفهمه، والتعامل معه بجديةوربطه مع معرفتنا.  وعلى الرغم من اننا غالبيتنا بنات هذا المجتمعومن المفروض ان نحمل والمشاركات مفاهيم وقيماً متشابهة، نكتشفالاختلافات داخل مجموعة المشاركات وبين ما ذوت الطاقم المدربخلال مسار تعلمه من مفاهيم ومعتقدات قد تكون مغايرة. من الهام أننكون حساسات لهذا الاختلاف (التعددية الفكرية) وألا نرفضه أونحاول فرض رؤيتنا للأمور، بل  فتح باب الحوار بين عالم المعرفةالخاص بهن، والذي يتقاطع مع عالم معرفتنا الثقافية أيضاً، وبين عالمالمعرفة الأكاديمي وخلال ذلك نعيد صياغة معرفتنا الجماعية.
من المهم ان نفحص عالم المفاهيم السائدة في المجموعة التى نتعاملمعها ولا نفترض معرفتها مسبقا وبهذا يصبح مسار التعلم تبادلي،فنحن نتعلم خلال مسار التعلم المشترك ومن ضمن الأجواء التعلميةالتى نخلقها.  ولعل البحث الأول الذي يقوم به الميسر/ة هو معالمجموعة التى يعمل معها للتعرف على معتقدات أفرادها وقيمهموأفكارهم.
يساهم هذا المسار أيضا في توسيع المدارك الثقافية وليس فقطالمحافظة على ما هو قائم، فكل متعلم يحضر معه معرفة ولغةخاصتين به، وخلال المسار التدعيمي نكتشف الغني الذي يميز ثقافاتناالمختلفة، وبكوننا جماعة من المتعلمين فان الإغناء المتبادل يزيد منإمكانية المعرفة المتجددة.  ان احترام الثقافة الذاتية والاعترافبمكنوناتها الإيجابية والسلبية يفتح المجال أمام التعامل مع الثقافاتالأخرى أدراك سلبياتها وإيجابياتها والاستفادة من الخبرات الإنسانيةالمتنوعة.
ان احترام الموروث الثقافي الذاتي هو حجر أساس للتعامل النقدي معذاتك ومع الآخرين. فعندما نتعمق بمعارفنا المنقولة والمكتوبة نستطيعربطها مع الموروث الحضاري الإنساني ونستطيع فحص مدىملاءمته لحاجاتنا اليوم، كما ويمكننا رؤية التشابه والتمايز بينالثقافات المختلفة.  فلعبة البأعينو مثلا شائعة بين أطفال العالم ولكنبصيغ مختلفة.  هذا يفسر لماذا يتمتع أطفالنا العرب بقصص استريدليندجرين السويدية، ولماذا يثمّن الغرب عالياً عطاء ابن خلدون وابنسينا للحضارة الإنسانية.
 
القوة والسلطة بيدنا
أحد التحديات الحقيقية والرئيسية التي نواجهها هو بناء نموذج غيرهرمي للتعامل بيننا، إذ ان غالبية النماذج المتوفرة في مجتمعنا تقليديةهرمية.  تتطلب مواجهة هذا التحدي توفر عدة شروط داخل الطاقمأولا،  وترجمة هذه الشروط الى العلاقة بيننا وبين المشاركات. ويتطلب هذا من المشاركات ليونة وقدرة على التعلم ليتسنى لهنالتعامل مع النموذج الجديد والتمتع به.  فغالبية تجاربهن "سلطويةهرمية" والنموذج المشارك يحتاج الى مواجهة أنماط سلوك مختلفةوتغييرها أيضا، وهذا مسار ليس بالسهّل.
يمتلك المشتركون/ات القوة والقدرة لتحديد أفعالهم/ن، والقرار حولمسار تعلمهم/ن، وهذا يتطلب تغيير التعامل مع السلطة بما فيها"المربي" "الميسر" صاحب السلطة الرسمي في التربية، وخلال هذاالمسار يتعلمون التعامل مع السلطة وأصحابها في المجتمع بشكل نقديأيضا. وهذا يتطلب:
مشاركة المعلومات، فهي ملك الجميع ، ولكي لا يتحول الأمرالى نظام هلامي فوضوي سفسطائي.  مهم مساهمة كل فردٍبمعرفته خلال التخطيط المشترك، التنفيذ، والتقييم والمسؤولية للنتائج.  
 
المشاركة في اتخاذ القرارات:   يتم اتخاذ القرارات بشكلجماعي، وكل مشتركة مسؤولة عن اتخاذ القرارات اليوميةبنفسها، وذلك كي لا يشل مبدأ اتخاذ  القرارات الجماعي عملالمجموعة والأفراد.
 
مفهوم جديد للقوة وللتعامل مع السلطة:  تفترض الهرميةوتتطلب تركيز القوة بيد الفرد او الأفراد الواقفين في أعلىالهرم، بينما ينطلق مبدأ المشاركة والتدعيم من توزيع القوةالكامنة في كل إنسان.  وفي حين تنص الهرمية على استعمالالقوة والسلطة الموجودة لديك على الآخرين، نسعى نحن الىتطوير قوتنا مع الآخرين.   فكل فرد يمتلك القوة لاتخاذالقرارات ولتحديد مسار البرامج،  فلا حاجة لتركيزها فييديه،  وإن تم التركيز فبهدف التوزيع مرة أخرى.  من الممكنان ينشأ وضع تتركز به المعلومات في شخص معين (المديراو الموظف بوظيفة كاملة) يكمن التحدي هنا في كيفية التعاملمع مصدر مهم من مصادر القوة (المعلومات) وفي مدى قدرةأعضاء الطاقم الآخرين على النقد والتغيير.
 
 يفترض هذا التوجه تعريفاً جديداً للقوة، فكثيرا ما نسمع ان "القوةهدامة"، وذلك نتيجة استعمالها لفرض السيطرة على الآخرين، بينماإذا استعملت القوة لتدعيم بعضنا البعض وللتغيير المجتمعي، عندهانتمتع بالقوة ونسعى للحصول عليها.  ترتبط كلمة السلطة عند غالبيتنابالسيطرة على الآخرين في حين نعرض هنا مفهوما جديدا للسلطة،السلطة على حياتك، قراراتك، وقتك وأولوياتك.  ان تولي السلطة علىهذه الأمور تنبع من مسؤولية ذاتية بعكس السلطة التى تفرضالمسؤولية بقوة القانون والمجتمع.
مثل هذا النموذج لا يخلو من  الخلافات التى من الممكن ان تظهر بينأعضاء الطاقم خاصة وأننا بصدد بناء نموذج جديد للتعامل، فكيفنتعامل مع هذه الخلافات؟  عادة يحاول كل طرف إثبات صحة موقفهويلجأ في بعض الاحيان الى إقناع وتجنيد آخرين ليتبنوا مثل موقفهمما يؤدي أيضا الى تزمت والى تفاقم المشكلة، لذا كان لا بد من أيجادطرق أخرى لحل الخلافات تعتمد على الاتصال المباشر وصولا الىاتفاق، فالقرارات تؤخذ باتفاق الجميع حتى لا نصبح مرة أخرىجماعات في داخل المجموعة الواحدة.  ومن الجدير في هذا السياقالنظر الى بعض المحاولات النسوية في العالم لخلق نماذج مجتمعيةتضمن المساواة بين الجنسين وتدعم المرأة.
 
 
خاتمة 
نحن نرى ان وظيفتنا هي خلق الأجواء التعلمية التي ترتكز علىقدرات المتدربات ومشاركتهن الفعالة، ولذا فان طرق التعلم المنتهجةهي طرق غير تقليدية.  نؤمن ان المتدربة لا تحتاجنا إذا اقتصر دورناعلى الإدلاء بمحاضرة تبسط ما هو مكتوب بالكتب، وتجربتنا الطويلةأظهرت ان هذا التوجه:
أ- يعيد الثقة لدى المتدربة بذاتها وبمعرفتها وبقدرتها وهو ما نسعىأليه في جميع المجالات. فالرؤية الإيجابية للذات هي أساس للتدعيم،وتعزيزها لدى المتدربة يساهم في زيادة فعاليتها ومبادراتها في حياتهاالخاصة العامة.
 ب- وبما أن المتدربات نساء فلسطينيات، فإن معرفتهن وخبراتهنالحياتية مستقاة من الحياة اليومية الفلسطينية ومن الموروث الثقافيالفلسطيني، وبالتعامل معها بشكل نقدي وبإعادة الثقة بهذه المعرفةفأننا نجذر الانتماء ونعيد الثقة بأنفسنا كأبناء للأقلية العربيةالفلسطينية التي تواجه محاولات الطمس الدائم من قبل السلطاتالإسرائيلية في كافة مجالات الحياة اليومية، وتتعامل مع ثقافتناوموروثنا الثقافي على انه بدائي.  تهدف هذه المحاولات الى العدميةالقومية فتصورنا في الكتب كحطابين وسقاة ماء، وتتجاهل واقعناالمتغير والمتعدد الألوان، بل تحاول الاستمرار في التعامي عنالتغيرات الحاصلة في مجتمعنا، وإن تعاملت معها، تنسبها للعيش فيدولة إسرائيل الديمقراطية!   ان الاعتماد على الخبرات الحياتيةللمتدربات لا تعيد الثقة بذواتهن فقط بل بموروثهن الثقافي الفلسطينيأيضاً. 
ج- غالبية هذه المعرفة الموروثة معرفة نسائية تنقلها الأمهاتللبنات، والجدات للحفيدات، وهذا هو أحد الأسباب باعتقادي لعدم توثيقهذه المعرفة بالشكل الكافي حتى ألان، كما وان مجتمعنا لا يتعاملمعها كمعرفة، وإنما كفلكلور، حين ندعمها نحن، نعيد الثقة في المعرفةالنسائية الموروثة عبر العصور ونضعها في مركز الأضواء ونعيداستعمالها كجزء من معرفتنا. 
 
 
 
 
[1] تنمية ورعاية الطّفولة المبكرة تُعنَى ليس فقط في التّربية أو أطر التّربية الرّسميّة وغير الرّسميّة، بلّ تتعدّاها لتشمل جميع المجالات والحقول المرتبطة بنموّ الطّفل/ة وتطوّره/ا والمؤثّرة به/ا كَ: رعاية الأمّ الحامل ومتابعة نموّ وتطوّر الجنين، الرّعاية الصّحّيّة الأوّليّة والوقائيّة، ثقافة الطّفل، الإعلام الموجّه للأطفال، تعلّم الأطفال،..
[2] للمزيد يمكنكم مراجعة: نبيلة اسبانيولي دليل التدريب الفعال إصدار مركز الطفولة الناصرة 2002
 
 
 
[3] للمزيد راجع/ي كتاب نبيلة اسبانيولي "دليل التّدريب الفعّال" إصدار مركز الطّفولة مؤسّسة حضانات النّاصرة سنّة 2002 على موقع المركزhttp://www.altufula.org/media/articles/userfiles/File/Dleel_Tdreb.pdf