30 عامًا ما بعد يوم الأرض

وأين النّساء؟

 

نبيلة اسبانيولي 

تعوّدنا أن نقول آذار المرأة، الأمّ الأرض، الأرض الأمّ، تعوّدنا أن نحيي نضال النّساء في العالم في يوم المرأة العالميّ الثّامن من آذار، وأن نعبّر عن حبّنا واحترامنا لأمّهاتنا في يوم الأمّ، وأن نعيد التزامنا بالنّضال من أجل إحقاق حقوقنا في هذا الوطن في يوم الأرض.

لكنّ المتابع للاحتفالات والمهرجانات الّتي أقيمت خلال آذار هذه السّنة والسّنة الماضية وقبلها وقبلها وقبلها... يلحظ غيابًا وتغييبًا للمرأة.

غياب الرّجال في الثّامن من آذار وكأنّ النّضال من أجل حقوق المرأة، حقّها في العمل، التّعلّم والحياة، حقّها في حياة كريمة خالية من الفقر والعنف والصّراعات، حقّها في تطوير ذاتها، جميعها نضالات "للنّساء فقط".

نلحظ كما ذكرت أيضًا تغييبًا للنّساء من المنصّات والمهرجانات الشّعبيّة الّتي أقيمت في طول البلاد وعرضها من لجنة المتابعة العليا وحتّى من الأيّام الدّراسيّة الّتي نظّمتها وتنظّمها مؤسّسات المجتمع المدنيّ.

غياب الرّجال في الثّامن من آذار وتغييب النّساء في يوم الأرض، وجهان لعملة واحدة، وهذه العملة سأطلق عليها سلّم "التّقوقع النّضاليّ"، والتّقوقع النّضاليّ هو ظاهرة متفشيّة في مجتمعنا ولكنّها ليست ظاهرة جديدة، فالمجتمعات المهمّشة والمضطهدة وعلى مدار السّنين تذوّت تهميشها واضطهادها وتذوّت التّقسيمات المفروضة عليها، ويصبح التّعامل ضمنها متقوقعًا، فالشّمال يتقوقع في نضاله في الشّمال والجنوب والوسط في الوسط، والبدو في المشاكل البدويّة والحضر في المشاكل المدنيّة وإن لم يكفينا ذلك، نتقوقع داخل قريتنا أو حتّى داخل طائفتنا أو حمولتنا، أو حتّى عائلاتنا وهكذا إلى أن يصبح نضال المهمّشين ليس فقط مهمّشًا من النّضالات العامّة بل أيضًا هرميًّا ويصبح النّضال للفوز بالحيّز هو القضية وتسيطر علينا عقلية التّهميش هذه وهرميّـته ونتنافس على المكان في هرم التّهميش هذا.

وهرميّة التّهميش، هرميّة المعاناة ظاهرة سياسيّة تؤدّي بالفرد البسيط خاصّة الأفراد البسطاء (الأغلبيّة في القاعدة- المهمّشة والمقسّمة) للشّعور بعدم القدرة على الخروج والتّأثير فيغيّب عن النّضال ويصبح تغييبه سهلاً أيضًا، وهكذا عندما لم يذهب أكثر من 40% من مجتمعنا للتّصويت مثلاً فإنه ذوّت تهميشه وقَبِل تغييبه عن التّأثير في القرار السّياسيّ، ليس فقط على إرسال ممثلينا وممثّلاتنا للكنيست بل أيضًا على وجه هذا المجتمع وكيف نرغب أن يكون مجتمعنا الفلسطينيّ في البلاد!

وعندما لا نغيب عن النّضال بل نشارك به فنشاطاتنا أصبحت غالبًا متقوقعة أيضًا، فنتقوقع ضمن حركاتنا وضمن مؤسّساتنا وبدل أن نشبك لنطوّر خطة استراتيجيّة للخروج من التّقوقع والتّهميش، من الغياب والتّغيّب نتقوقع ضمن مؤسّساتنا وأحزابنا وحركاتنا ونغفل عن أن تغييب المرأة ظاهرة سياسيّة اجتماعيّة يجب محاربتها، ولا يمكن محاربتها إلاّ بالنّضال مجتمِعَات ومجتَمِعين، فقضية المرأة وتغييبها هي ظاهرة اجتماعيّة.

ويوم الأرض علّمنا وآذار على مدار 30 سنة بل على مدار 60 سنة أنّ إنجازاتنا هي نتيجة لنضال عنيد.

أذكر عندما حاولت الحركة الإسلاميّة في سنوات الـ 90 منع النّساء من الخروج إلى مظاهرة يوم الأرض (الأمر الّذي لا تستطيع حتّى الحركة الإسلاميّة اليوم قبوله) وفي محاولة أخرى فصل النّساء عن الرّجال في المظاهرات.  خرجت النّساء والرّجال، الشّباب والشّابات، في الجبهة، وأبناء البلد وجميع من يهمّه أمر مجتمعنا- خرجنا بصوت واحد.

" وحدة وحدة وطنيّة الشّبّ بحدّ الصبيّة"، وخرجنا للمظاهرات بأعداد كبيرة، للدّفاع عن حقّنا في المشاركة للدّفاع عن وجه مجتمعنا، خرجنا في يوم الأرض وفي يوم المسكن وفي صبرا وشتيلا وفي جميع أيّامنا النٍّضاليّة، خرجنا وشاركنا "الشّبّ بحدّ الصبيّة".

وفي آذار الأخير، آذار هذه السّنة في المعارك الإنتخابيّة خرجت النّساء للحلقات البيتيّة وللمهرجانات الشّعبيّة- جميع الأحزاب: الجبهة، التّجمّع، العربيّة للتّغيير وكلّها استفادت من القوّة النسائيّة لتجنيد المصوّتين والمصوّتات قبل الانتخابات وفي يوم الانتخابات، فهل نستطيع اليوم التّوجّه مرّة أخرى للجنة المتابعة لضمان التّمثيل النّسائيّ بها؟ هل نستطيع اليوم محاربة تغييبنا من الكنيست ومن مهرجانات يوم الأرض؟ ومحاربة تغييبنا من كلّ المنصّات؟

أدعو جميع الرّاغبات في استخدام دليل الكفاءات النّسائيّة لإرسالها إلى كلّ من يُغيَّب كخطوة أولى ضدّ التّغييب لا للتّغييب منذ ثلاثين سنة من النّضال في الشارع بل ستين سنة من النّضال في الشّارع.. ذلك يجب أن يترجم إلى تمثيل نسائيّ في جميع المجالات ولنبدأ، بل فلنتابع العمل ضدّ التّغييب ولنبدأ بأن لا نغيب ولا نغيِّب أحدًا.