دمج الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة

في خدمات الطّفولة المبكرة.

                                                                                نبيلة اسبانيولي

يُعتبر الدمج كنهج تمكيني يُساعد جميع الأطفال على الإستمتاع بطفولتهم وفي الحصول على حقوقهم وعلى الإمكانيات المثلى لتحقيق أقصى ما يمكن من قدراتهم الكامنة.

إنّ مفهوم الدمج لا يشمل الأطفال ذوي الإعاقات فحسب، بل أيضاً كلّ ذوي الإحتياجات الخاصّة من فئات الأطفال الذين يُعزلون أو يجري إقصاؤهم عن المجتمع أو عن الخدمات التّربويّة العامّة لأسباب مختلفة، مثل: الدّين، الجنس، الفقر، اللّغة، المرض أو الحالة الجسدية.

والإقصاء لا يتمّ من خلال منع فئة من الأطفال من الحضور إلى الرّوضة أو الحضانة، الرّوضة أو المدرسة، بل هنالك إقصاء خلال تواجدهم في الرّوضة، الحضانة أو المدرسة. وذلك بسبب مناهج جامدة لا تراعي احتياجاتهم التّعلميّة وعدم تجهيز المؤسّسات التّربويّة لتكون دامجة جامعة لكلّ الأطفال.

والنهج الدمجيّ يبنى على الرّؤية الشّموليّة التّكامليّة للطّفولة المبكرة، فتتعامل مع الطّفل/ة بكلّ مجالات نموّه/ا الجسديّة والعقليّة والنّفسيّة والإجتماعيّة وتهتم في تكامل فيما بينها، ولا تستبعد أي فئة من فئات الأطفال لأيّ سبب.

لكي نضمن ممارسة النهج الدمجي بشكل شمولي تكامليّ، هنالك حاجة للإهتمام بعدّة مركّبات:

1.      الإكتشاف المبكر:  وهذا أمر أساسي. فكلّما كان الإكتشاف مبكر كلّما استطعنا تمكين الطّفل واحتياجاته الخاصّة، آخذين بعين الإعتبار قدراته الخاصّة أيضاً. والاكتشاف المبكر بحاجة إلى عاملين/ات مدرّبين/ات يقومون/يقمن بالاكتشاف المبكر للإعاقة. والأهل هنا يلعبون دوراً أساسيّاً في هذا الإكتشاف المبكر، غالبية الأهالي عندهم معارف حول نموّ الأطفال من خلال تعاملهم مع أطفال آخرين (أطفالهم وأطفال العائلة) ويمكنهم بمراقبة ورعاية الأطفال اكتشاف قدرات الطّفل في سن مبكرة أو اكتشاف احتياجاته الخاصّة. وفي مثل هذه الحالة التوجّه إلى المختصّين/ات يمكن أن يهدف إلى الحصول على إرشاد في كيفية التّعامل مع هذا الطّفل/ة ودعمه/ا لتحقيق قدراتهم/نّ الكامنة.

2.      التّداخل المبكر:  هو أمر أساسي أيضاً. فكلّما استطعنا تقديم الدّعم المبكر للطّفل/ة في مسار نموّه/ا فإننا ندعمه/ا في تحقيق قدراته/ا الذّاتيّة، الخاصّة أيضاً.  والتّداخل قد يتمّ عن طريق دعم الأهل لتدعيم أطفالهم، تحضير المربّيات في الحضانات والحضانات البيتيّة والأسرية لتدعيم الأطفال خاصة أنّ 80% من احتياجات الأطفال المعاقين ذات طبيعة تعلّميّة لا طبيّة.  تهيئة الحضانات والحضانات البيتيّة لتوفير الشّروط الملائمة للجميع.

من المهم هنا أيضاً أن يتركّز التّدخل المبكر على التعاون الوثيق مع العائلة. فالأهل هم الحلقة الأساسيّة في تقبّل طفلهم واحتياجاته الخاصّة وفي تقديم الدعم المناسب له بشكل يدعم ويستفيد من قدراته الكامنة.

 

والسّؤال:  لماذا الدمج؟

هنالك أسباب عديدة جعلت نهج الدمج في السّنوات الأخيرة، نهجاً محبّذاً علميّاً وعمليّاً. وذلك لأسباب مختلفة:

1.    من منطلق حقوق الطّفل فاتفاقية حقوق الطّفل تؤكّد على أهمية المساواة وعدم التّمييز. من هذا المنطلق فإنّ حق جميع الأطفال أن يتعلّموا معاً وألاّ يمارس ضدهم أيّ تمييز أو إقصاء أو عزل بسبب إعاقتهم أو بسبب صعوبات يواجهونها أو لأي سبب آخر.

2.    أثبت تبني النّهج الدمجيّ في العالم كفاءته في رفع مستوى التّحصيل في التعليم على المستوى المدرسي وعلى مجال اكتساب مهارات اجتماعيّة. ورفع النّهج روح المسؤولية لدى الأطفال، مسؤولية تجاه بعضهم البعض. ونمّى الإحترام للإختلاف وأعدّهم للإنخراط في الحياة العامّة بروح التّعاون.

 

والسّؤال المطروح هنا:  ما السبيل إلى دعم النهج الدمجي؟

هناك أهمية لـ:

1.      سياسات تتبنّى النهج الدمجيّ وإلى إجراءات توفّر إمكانيات للأطفال للمشاركة في الأنشطة المختلفة والإستفادة من الخدمات المقدَّمة.

2.      إشراك الأهل في الخدمات المقدَّمة لضمان الدمج وفاعليّته ولدعمه في تقديم الرّعاية لأطفالهم.

3.      تدريب التربويين العاملين/ات مع الأطفال على مفهوم وأسس الدمج وعلى كيفيّة دعم الأطفال الآخرين لتقبّل الأطفال ذوي الاحتياجات المختلفة وتفهّم الإختلافات وقبولها.

  1. تطوير موارد لدعم الرّاشدين الذين يعيشون مع الأطفال ويعتنون بهم.
  2. دمج الأطفال ذوي الإحتياجات في الموارد المقدَّمة للأطفال بشكل عام: ألعاب، صور، كتب أطفال وغيرها.
  3. تطوير نهج عمل مُبدع وليّن بحيث يفسح المجال للإجابة عن الإحتياجات التّعليميّة الخاصة والمختلفة للأطفال وتبنّي أساليب التعلّم النّشط التي تهتم في دعم التعلّم الذّاتي والتعلّم المُشارِك. وهي أسس تدعم النهج الدمجيّ إذ تعزّز مركزية الطّفل، كل طفل وأهمية مبادرته الذّاتية، ووتيرة نمّوه وميوله ورغباته للتعلّم.

 

الدمج في مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ في البلاد:

لا زلنا نتعامل في المجتمع مع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة بتوجّه غير دمجي يسعى إلى عزل الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة عن الأطفال عامّة ويوجّههم إلى مؤسسات خاصّة.

لا ننكر هنا أنّ هنالك أطفال بحاجة إلى أجهزة ومعدّات خاصة لممارسة حاجاتهم الأساسيّة أو أطفال بحاجة إلى دعم متواصل من الرّاشدين/ات من حولهم من القيام بسلوكيّات يوميّة. وقد طوّر المجتمع مؤسسات خاصّة لمِثل هؤلاء الأطفال بعد أن كان هَمّ الرّعاية ملقى على الأهل فقط.  بالرغم من ذلك فإنّه لا زال هنالك نقص كبير في الطّفولة المبكرة في الخدمات المقدَّمة للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة، حتى من هُم بحاجة إلى رعاية وعناية فائقة وخاصّةلكن الغالبية العظمى من الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة يمكن دمجهم في المؤسسات التّربويّة العامّة مع بعض الدعم.

دمج الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة في برامج الطّفولة المبكرة النّوعية سيساند الأهل والأطفال للحصول على الدّعم الملائم لتحقيق جزء من قدراتهم الكامنة.

إنّ توفّر الخدمات التّربويّة في جيل مبكرة: حضانة، روضة قد يدعم الأطفال في سيرة حياتهم المستقبليّة ويساهم في دمجهم ومساهمتهم في الحياة عامّة.

 



[1] نشرت هذه المقالة في نشرة همسة وصل الصادرة عن مشاركة