مراجعة نقدية لبحث ما زلن خاضعات

نبيلة اسبانيولي

اصدر مركز أعلام في الناصرة دراسة حول تمثيل المرأة في الصحف العربية القطرية قام بها د. أمل جمال وسماح بصول وعقدت ندوة ناقشت هذه الدراسة.

 

هذا البحث هام من حيث انه يهتم في وسائل الأعلام إذ يعتبر الأعلام عامل مؤثر في صياغة السياسات الاجتماعية والثقافية في مراحل تطور الحركات الاجتماعية ويقوم بدور فعال في تعريف المواطنين والمواطنات بقضايا المجتمع.  فعملية الاتصال والتبليغ الجماهيري تهدف إلى إحداث اثر في المستلم سواء كان هذا الأثر يبغى تعزيز لسلوك معين أو تغيير لسلوك.

يعرض البحث نتائج صارخة عن صورة المرأة في الصحف التجارية العربية في البلاد وكثير من هذه النتائج تثير التفكير وتحث القارئ على اخذ موقف والخروج من الحيادية فلدى تنأول الخطاب الأعلامي مثلا وجد إن غالبيته كانت حيادية حتى في الحالات التي يدور فيها الحديث عن قضايا اجتماعية مؤلمة ويشير البحث إن هذه "الحيادية" لا تعمل ضد المعتدي بل تعمل لصالحه. أن عدم اتخاذ موقف أخلاقي في حالات كهذه يشكل وقوفا إلى جانب الطرف القوي في المعادلة الاجتماعية".  ولن أتمكن هنا من استعراض جميع النتائج ومن المهم العودة للبحث من اجل ذلك ولكن وعلى الرغم من أهمية البحث ونتائجه ولكن هنالك بعض الفجوات والتي يتمحور بها هذا المقال.

 

عينة البحث

يتعرض البحث لصحيفة كل العرب الصنارة وبانورما ولا يتطرق إلى الصحف الحزبية وحتى لا يتعرض إلى الصحيفة اليومية العربية الوحيدة في البلاد الاتحاد.  إن الصحف التجارية تزيد عدد صفحاتها حسب عدد الإعلانات ويصفها البحث بأنها صحف صفراء ويستعرض في المقدمة المميزات لهذه الصحف الصفراء ولكن في تحليل النتائج لم نلحظ ربط بين ما النتائج والمميزات للصحف الصفراء تلك.

 

سياق تاريخي

لم يتعرض البحث إلى السياق التاريخي فعلى الرغم من ان تاريخ الكتابة الصحفية النسائية أو الكتابة عن المرأة وقضايا النوع الاجتماعي يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر وتعتبر هند نوفل ام الصحفيات العربيات وعميدتهن بكونها بادرت إلى تأسيس مجلة الفتاة سنة 1882 في الإسكندرية[1]، لم يستعرض البحث هذا السياق التاريخي الذي كان من الممكن أن يضفي بعد مهم لفهم الواقع الحالي.

كما ولم يراجع البحث أبحاث شبيهة صدرت في البلاد كبحث لمنى ظاهر عن الموضوع تم إعداده ضمن مشروع البحث والتدريب للنساء الفلسطينيات والذي كان مركز الطفولة بالناصرة شريك به والذي راجع صحيفة كل العرب والصنارة على مدى 9 أشهر ما بين 2003-2004 وكذلك مجلتي الليلك والليدي والذي نشر في كتاب بحثي صدر عن مركز الطفولة، كما ولم يتطرق إلى مقالة أخرى لد.خولة ابو بكر والتي كانت مشرفة على بحث منى ظاهر فاستخدمت المعطيات التي جمعتها منى لبحثها وأضافت عليها معطيات عن جريدة بانورما ونشرت المقال في كتاب (منى الرجاء زيادة تفاصيل المقال). المقارنة الوحيدة كانت مع بحث أعده د. أمل جمال وأميمة ذياب وأصدره أعلام في سنة 2006.

 

عدم المقارنة مع نتائج لأبحاث أخرى تؤثر على استنتاجات البحث، فالبحث يستنتج ان هنالك 800% زيادة في كمية التغطية الإعلامية لقضايا المرأة وذلك بناء على المقارنة مع بحث أعلام السابق بينما لو قارن البحث مع بحث منى ظاهر مركز الطفولة لظهر تشابه فقد وصلت المعدل في بحثها 23% من معدل الأخبار ترتبط بالمرأة وقضايا النوع الاجتماعي وهي نسبة مشابه لما وجده البحث الحالي فقد وصلن النسبة إلى 22.18% فهل هنالك زيادة؟ وما هي نسبتها؟ ام ان هنالك اختلاف في المعايير المستخدمة في الأبحاث والتي تؤدي إلى اختلف في طريقة الاحتساب!!

 

بعد تاريخي أخر لم يتناوله البحث هو تاريخ عمل المؤسسات النسوية مع الصحف والصحفيين والصحفيات وذلك لتحسيسهم بقضايا النوع الاجتماعي.  فقد قامت المؤسسات النسوية ومنذ مطلع سنوات ال90 بعمل جهد كبير للتأثير على طرق عرض المرأة في الصحف وعلى الرغم من الصورة القاطمة التي تظهرها الأبحاث المذكورة والبحث الحالي فأنني كنشيطة في العمل النسوي ومتابعة لصورة المرأة في الأعلام فأنني أرى تحسنا عما كان عليه الوضع ومما لا شك به ان زيادة الأقلام النسوية وزيادة الوعي المجتمعي لقضايا المرأة جاء نتاج لعمل مؤسسات المجتمع المدني عامة والمؤسسات النسوية خاصة.

 

 فرضيات مبطنة

تحتوي الدراسة على فرضيات مبطنة مفادها ان كل امرأة بكونها امرأة متوقع منها ان تحمل فكر سياسي نسوي وهذا فرضية سياسية تحرر المجتمع من التعامل مع قضايا المرأة والنوع الاجتماعي كقضية سياسية مجتمعية وتتوقع ان تغيير واقع المرأة هو قضية للنساء فقط. انها فرضية سياسية تلوم الضحية وتثبت الوضع القائم انها فرضية لا ترى ان الشخصي هو سياسي وان السياسي هو شخصي.

ان النسويات الفلسطينيات تعلمن ان الشخصي هو سياسي وهو درس تعلمته النساء بالعالم ولكن خصوصياتنا كنساء فلسطينيات نسويات المتمثلة بكوننا جزء لا يتجزءا من نضال شعبنا من اجل الحرية والكرامة والمساواة وبكوننا شريكات في النضال على الأرض والمسكن والهوية والبقاء ولقمة العيش فأننا أضفنا لهذا الدرس العالمي بان السياسي هو شخصي أيضا لذا فنضالاتنا  تأتي متعددة الأوجه ولا نستطيع وضع أولويات للنضال فعندما نناضل من اجل رفع الحصار عن غزة مثلا نناضل أيضا من اجل حقنا في المشاركة السياسية جنبا إلى جنب الرجال في مجتمعنا نناضل من اجل حقنا في التواجد في مقدمة النضال وقيادته وليس فقط في خلفيته كما يريدنا البعض.  تعاملنا مع السياسي بانه شخصي يجعلنا واعيات أيضا للطبيعة المركبة لهذا المجتمع وللطروحات المتنوعة داخله فنحترم الاختلاف ولكننا نناضل بان يحترم اختلافنا أيضا.   

 

فرضية مبطنة أخرى وجدتها بالبحث مفادها ان الإسلام السياسي يدعم نجاح المرأة ويدعمها في اختراق دوائر اجتماعية كانت موصدة إمامهن في الماضي (صفحة 7 في البحث) فعلى الرغم من ان الحديث عن "التأثير المركب للإسلام السياسي على مكانة النساء في المجتمع" وهي فرضية تحتاج إلى تفنيد لإظهار الأثر المركب فعلا ولكن الباحثين اخترنا التأكيد  "لكنهن نجحنا – من خلال تدينهن – في اختراق دوائر اجتماعية كانت موصدة إمامهن في الماضي...."  فهل هذه صدفة أم انعكاس وترويج لفكر معين؟؟؟

 

نتائج غير مسندة

يذكر البحث صفحة 23 " المقابلات الشخصية مع النساء اللواتي يتبوأن مناصب قيادية تظهر ان غالبيتهن يفضلن عدم تغطيتهن في الأعلام ويفضلن عدم الانكشاف للجمهور الواسع".  والسؤال عن أي مقابلات الحديث بالوقت ان البحث الذي أمامنا لم يستخدم هذه المنهجية؟؟

كما وهنالك بعض التحليلات الغير مسندة أو المتناقضة بعض الشيء فمثلا يشير الباحثان : "تثبت  بيانات هذا البحث ان المعيار الأكثر فاعلية في الصحف يرتكز على تذويت هامشية النساء من قبل النساء أنفسهن وتقبل هويتهن الجنسية والأداتية"،  وهو امر منطقي فغالبية النساء الصحفيات هن فتيات تعلمن ضمن هذا المجتمع وذوتن نظرته فاحد مميزات السيكولوجية للإنسان المقهور هو تذويت الدونية وهذه ليست صفة نسائية فقط بل صفة نجدها لدى الكثير من المقهورين وقد كتب أول من كتب عن هذه الظاهرة فرانس فانون ارتباطا بالإنسان الجزائري وتعامله مع المحتل الفرنسي خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر.  ولكن من يذوت دونيته يتبنى القيم والمعتقدات التي تعزز هذه النظرة ولا حاجة له إلى رقابة ذاتية لذا فانا أرى تناقض بين ما يثبته البحث من تذويت الدونية وكون الصحفيات "تفرضن على أنفسهن رقابة ذاتية".

 

تحليل كمي ونوعي

منهجية البحث الحالية "كمية ولكنها مدمجة بجوانب نوعية مهمة" وهذه منهجية تحتاج إلى تمرس للربط بين النتائج الكمية المسطحة للواقع غالبا ومواصفات الواقع المركبة غالبا.  وللتوضيح هذه الإشكالية بعض الأمثلة يذكر البحث ان نسبة كبيرة من التغطية كانت ايجابية (لم يذكر البحث ما هي المواصفات التي اعتمدت لقياس درجة الايجابية والسلبية) وعلى الرغم من محاولة ان البحث يفحص التقاطع ما بين طابع التغطية (ايجابية ام سلبية) واقتباس أقوال النساء، ومقولات نمطية أو غير نمطية، درجة قوة النساء، والتطرق للمساواة في المقال غير انه لا يقدم تحليل نوعي مركب لكل هذه المعايير مما يبقي القارئ في بلبلة!!

 

مصطلحات بحاجة إلى توضيح

يستخدم البحث بعض المصطلحات التي بحاجة إلى توضيح  مثال على ذلك النتيجة التي يظهرها البحث بأن 8% من المقالات كانت ذات مضامين نسوية.  وعلى الرغم من قراتي للبحث عدة مرات لم افهم ما المقصود بالتوجه النسوي وما هو التعريف الإجرائي الذي استخدمه البحث لقياس النسوية؟؟

 

 

ادوار ريادية:

تعرف الأدوار الريادية في البحث بانها" تلك التي لم تعتبر شرعية في المجتمع التقليدي كالمغنيات والممثلات وعارضات الأزياء وغيرهن"(صفحة 24)  ولكن المراجعة للمجتمعات التقليدية وادوار النساء بها يرى ان هذه الثنائية ما بين نساء عفيفات ونساء مرفهات كانت المميز لهذه المجتمعات التقليدية البطريركية والتي حافظت على هذا التقسيم القطبي .  فالريادية اذا هي الخروج عن هذه الثنائية واختراق هذه التقسيمة القطبية.  



[1] للمزيد يمكنكم مراجعة منى ظاهر صورة المرأة في الحطاب الأعلامي الفلسطيني المكتوب في إسرائيل إصدار مركز الطفولة 2006